مفهوم هيبة الدولة في دولة الحريات
نازك الملائكة الرشيد
تعالت الأصوات في الفترة الأخيرة تنادي ببسط هيبة الدولة في الشارع و تقول بأن هيبة الدولة سقطت و أن الناس أصبحوا لا يحترمون رجل الشرطة و لا رجل الجيش و لا القوات النظامية بصفة عامة. هذه الدعوات جلها سياسي له غرض لا يخفى على كل ذو عينين و قليل منها مهني ينطلق من باب الرغبة في بناء مؤسسات الدولة .
كلنا يعلم أن المؤتمر الوطني كان قد إستباح الوطن طيلة الثلاثون عاما الماضية التي حكم فيها البلاد بالحديد و النار و التسلط على رقاب العباد مستعملا أدوات الدولة و مؤسساتها من شرطة و أمن و قوات مسلحه و دعم سريع لتحقيق مآربه و مصالحه الخاصة و ليس مصالح الدولة السودانية و المواطن السوداني الذي أنشأت كل هذه المؤسسات أصلا لخدمته و ليس للتسلط عليه و يدفع مستحقات منسوبيها من دم قلبه .
فالجيش و الشرطة و غيرها من القوات النظامية ما هي إلا واحدة من أدوات الدولة مثلها مثل وزارة المالية و وزارة الشباب و الرياضة و غيرها من المؤسسات الحكومية الأخرى و لكل مؤسسة دورها المهم و المطلوب و جميع هذه المؤسات تؤدي أدوارا تكمل بعضها البعض و أهميتها متساوية و هدفها هو خدمة المواطن السوداني و جميع من ينتسبون إليها هم (هم موظفون لخدمة للمواطن السوداني) . لذا يجب على جميع من ينتسبون إلى هذه المؤسسات أن يعوا هذه الحقيقة و يعملوا بها و أن لا يشعروا في أي لحظة من اللحظات أن لهم حق السيطرة على المواطن السوداني أو أنهم قيمين عليه بحكم ما بيدهم من سلطة مدنية كانت أو عسكرية. و لعله من المفيد أن نذكر هنا أن الشرطة البريطانية على سبيل المثال ليست مسلحة و لكن بالرغم من ذلك تجد الإحترام اللازم من المواطنين و هي لا تعتدي على المواطنين و لا حتى المجرمين منهم بدنيا و لا لفظيا . و هذا بسبب أن الشرطة تعي دورها تماما و تحترم المواطن الذي أنشأت من أجله و من أجل حمايته و ليس للتسلط عليه و يوجد قانون صارم ينظم عملها و يسمح بمحاسبة منسوبيها في حالة أي تجاوزات .
واقع الأمر أن سياسات المؤتمر الوطني في الثلاثون عاما الماضية سواء من ناحية التدريب و التوجيه المعنوي أو من ناحية القوانين أنتجت قوات نظامية متسلطة و كل ذلك كان الغرض منه إستمالة هذه القوات و إستمالة منسوبيها و أكبر مثال على ذلك من ناحية السياسات هو أن حكومة المؤتمر الوطني كانت تغمض عينها عن بلايين الجنيهات التي تجنبها هذه القوات و تستعملها في مصارف لا يعلم أحد عنها شيئا و هذا لعمري أوضح نوع من أنواع الرشوة . و لكن و لله الحمد دائما يوجد أناس لا يمكن بيعهم و شرائهم في سوق النخاسة. عليه فإننا نحتاج الآن لإعادة تأهيل هذه القوات بصورة علمية لكي تكون جاهزة للمساهمة في بسط الحريات و خدمة المواطن في المرحلة القادمة و ليس العكس و لكي تستطيع أن تتأقلم مع أجواء الحريات و بالتالي تكون هي خادم للشعب و ليست مسيطرة عليه و كذلك نحتاج لتعديل قوانينها بما يعكس واقع الحريات الجديد و بما يتيح محاسبة منسوبيها في حالة التجاوزات فإن من أمن العقوبة أساء الأدب .
و لكن إعادة التأهيل تحتاج عمل علمي مدروس و ليس مسألة عشوائية . و لعله من حسن الطالع أن عدد من المجموعات التي تكونت بعد ثورة ديسمبر المجيدة كانت قد عقدت ورش عمل في عدة مجالات مثل التعليم و الصحة و البنية التحتية بعد توقيع الوثيقة الدستورية و لكن لم ينتبه أحد إلى تطوير و تأهيل القوات النظامية.
عليه فإني أقترح أن تتبنى قوى الحرية و التغيير أو أي فصيل سياسي بالتعاون مع الحكومة القائمة و مع الخبراء السودانيين و الأجانب في هذا المجال و مع قدامي منسوبي هذه القوات المعروفين بالمهنية العالية أن تتبنى ورش عمل و سمنارات يشارك فيها من هم على راس الخدمة في هذه القوات و تقدم فيها أوراق عمل تتقدم بمقترحات واضحة و علمية تسمح بإعادة بناء جميع هذه القوات من جميع النواحي على أسس جديدة تعمق مفاهيم المؤسسية و خدمة المواطن و بناء جسور الثقة التي إهتزت و إحترام الحريات و الإعتراف بالدور التكاملي لهذه القوات مع مؤسسات الدولة الأخرى بما يؤدي إلى بسط هيبة الدولة(لا فرق بين بين ملكي و عسكري) . فإن هيبة الدولة لا تبنى و لا تفرض بالحديد و النار و إنما بالإحترام المتبادل و بان تقوم هذه القوات بالدور المطلوب منها بالمهنية اللازمة.
مايو 2020
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …