“ورجغة” العلمانية
النور حمد
يعتقد جماعة الإسلام السياسي والطائفيون، وهم أصلاً فصيلٌ واحد، أن إثارة قضية “علمانية الدولة”، هي البطاقة الرابحة التي يمكن أن يضللوا بها العوام، وينهوا بها الفترة الانتقالية، ليصلوا إلى السلطة، ويتمكنوا، من جديد، من حراسة الجاه والامتيازات التي احتازوها. لقد ظل تيار الإسلام السياسي يمارس ابتزاز كل من عداه، باسم الدين، منذ ستينات القرن الماضي. عمل لربع قرن في تكسير كل قيمة وكل فضيلة، وأغرق البلاد في الغوغائية، والجامعات في العنف، وبث أنماط التدين التجهيلي، وراوغ حتى وصل إلى السلطة. أمضى في السلطة ثلاثين عامًا حكم فيها بمفرده بالحديد والنار، وقتل من السودانيين أكثر مما قتلت التركية والمهدية والغزو الإنجليزي المصري مجتمعة، لكننا لم نر طيلة هذه الفترة “دولةً إسلامية”. بل لم يجرؤوا حتى على تسميتها دولةً إسلامية، كإيران مثلا. فيا هؤلاء: هذه تجارة خاسرة. لم يعد العبث والتدليس باسم الدين، ينطلي على أحد. حتى أبناءكم وبناتكم الذين ولدتموهم من ظهوركم وقفوا ضدكم، فتوبوا إلى بارئكم، يرحمكم الله.
العلمانية ليست أيديولوجية؛ أي ليست عقيدة كلية يعتنقها الأفراد، بدلاً عن الإيمان بالله. العلمانية في السياق السياسي مجرد مفهوم، أو قل إطار قانوني لإدارة الدولة، ويختلف هذا المفهوم من ثقافة إلى أخرى. فالهند علمانية ومعظم الهنود متدينون. وماليزيا علمانية، ومعظم السكان مسلمون. وإندونيسيا علمانية غالبية السكان مسلمون، وتركيا وقطر اللتان تدعمان الإسلاميين في السودان، دولتان علمانيتان، غالبية سكانهما مسلمون. فالدولة جهاز لإدارة حياة الناس، ولذلك ينبغي أن تقف على مسافة واحدة من جميع أهل العقائد الدينية وغير الدينية. فالمواطنة وفقًا لعلمانية الدولة هي أساس العقد الاجتماعي الذي يربط بين سكان الدولة وليس الدين. ببساطة، علمانية الدولة لا تعني علمانية المجتمع والفضاء العام. فالذين يطالبون الآن بـ “علمانية الدولة” مسلمون مثلكم. بل، قد يكونون أكثر تدينا منكم، فلا تشيطنوهم، وتخلوا، يرحمكم الله، عن النزعة التكفيرية التي انغرست في أذهانكم منذ ست عقود.
الحلقة التي قدمتها قناة سودانية 24 حول العلمانية أول أمس، وأدارتها بتلك الفجاجة ونقص المعلومات، تدل على أن التنوير ليس هو الغرض، وإنما الغرض هو “الورجغة” من أجل التشويش وإثارة البلبلة. مثل هذه الأمور الفكرية، الدولتية، لا ينبغي أن تسند إلى مذيعين فقيري المعارف، لا إلمام لهم بما يتحدثون عنه. يقف وراء هؤلاء المذيعين المساكين، كما هو واضح، معدو برامج جهلة، ومغرضون. ولقد رأينا كيف وضعوا صورة عبد الحي يوسف، على الشاشة أثناء الحوار، وهو ذات الشخص الذي أفتى البشير بقتل ثلث الشعب، وقبض منه خمسة ملايين دولار جاءت من السعودية، ثم لم يطرف له جفن أن ينحاز بعد ذلك للقطريين. أما ذاك الذي أتت به القناة ليعدد أسماء القواميس الإنجليزية، ظانًا أنه يثبت بذلك رسوخه في العلم، فأرغى وأزبد وتحدى كل بني البشر، فإنه لم ينجح سوى في عرض عقلٍ توقف نموه عند تكفيريات سيد قطب. ختامًا: يا من تشيطنون مسيرتنا نحو دولة المواطنة المتساوية، لن نسمع منكم قط، حتى تشيطنوا لنا تركيا عضو الناتو وحاضنة قواعده العسكرية، التي تعج بالبارات والملاهي الليلية. وايضًا، حتى تطلبوا من قطر إعلان نفسها دولة إسلامية، فتوقف استيراد الخمور وبيعها في المطاعم والفنادق، وللأفراد، وأن تمنعها عن القادمين لكأس العالم.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …