المرأة التي منعتني الهروب إلى الجنوب!!!
الطيب بشير
فقدت طابت أمس الأخت نايلة عبد الله الحسن عليها الرحمة، شقيقة صهرنا التشكيلي عصام عبد الله وصديقي هشام عبد الله، زوجة الرجل الفاضل عبد المجيد أبو زيد، وحفيدة (بِت حيمودة) أوّل من حـَـمــّـر الضلع بطابت!!… بهذه البسمة الوقورة والصوت الخفيض قضت نايلة حياتها بين الناس، لم يسمعها أحدٌ مغاضبة ولم يرها أحدٌ مقطـّـبة جبينها، عليها من الله شآبيب الرحمات، عاشت في السعودية لربع قرنٍ من الزمان بهذه البسمة الوقورة والصوت الخفيض.. وتعاملت مع كل (ناس طابت) وأهلها في الريف الأدنى والعاصمة بهذه البسمة الوقورة والصوت الخفيض…وبالأمس أغمضت عينيها خلف نظارتها السميكة و (راحت) في غفوة…
تربطني بالفقيدة صلة رحم غير مباشرة وهي ليست جارة قريبة ولا صديقة حميمة لشقيقاتي، إذن ما الذي أبكى هشام عبد الله حين اتصلتُ به معزياً؟؟!!… كانت الأخت نايلة قد قدمت لنا درساً حياتياً مجانياً أنا وصديقي هشام في أيام الدراسة الإبتدائية، فقد غضبنا يوماً من حاج بشير الطيب وحاج عبد الله الحسن عليهما رحمة الله إثر جلدةٍ لكلينا، وقررنا أن (نشرد) واقترحنا الذهاب لجنوب السودان!! بالطبع كنا نعتقد أن (الجنوب) لا يبعد عن الحصاحيصا كثيراً، وأننا سنركب عربة الخال (أحمد الفكي) مجاناً للحصاحيصا، هذه كانت مساهمتي في التمرد، ومنها ندخل الغابة ونبقى رجال لا يجوز جلدهم!! الذي حدث أن الفقيدة نايلة ناقشتنا في الفكرة وحدثتنا عن أن العقاب البدني جزء من التربية ولا يستوجب كل هذه الغضبة، حدثتنا بهذه البسمة الوقورة والصوت الخفيض… وهي لا تكبرنا في السن كثيراً ولكنها عليها الرحمة (بِت رضا) قامت بنصحنا وصلـّـحت لينا الغداء بمحسنات لا يتم طبخها لغير الضيوف، فبعنا القضية!
بعد زواجها وسفرها غابت عن البلد … وحين رجعت قابلتها في بيتنا، حيث جاءت تعزي كعادة المهاجرين، لم أتعرف عليها بالنظارات، فجاء سلامي مختصراً! وحين لفتت شقيقاتي انتباهي وأعدتُ السلام معتذراً قابلتني بهذه البسمة الوقورة والصوت الخفيض…فليس في قاموسها مفردات عتاب ولا في منهاجها مساحة للكدر… أسأل الله أن يرحمها ويغفر لها ويتقبلها قبولاً حسنا، ويلهم أسرتها الصبر الجميل والسلوان… التعازي لأهل بيتها الطيبين ولأسرة آل الحسن وعموم العولاب والأصهار والجيران وأصدقائهم بالمهجر وكل ناس طابت…إنا لله وإنا إليه راجعون…ولا حول ولا قوة إلا بالله….
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …