ندعم هذه الحكومة.. لكن لا نعرف إلى متى؟
حاتم الفاضل
هنالك أناس كثر أعرفهم وأنا منهم غير راضين عن أداء الحكومة الإنتقالية، ولا الطريقة الحالمة التي تدير وتتصدى وتعالج بها ملفات الفترة الإنتقالية، ولكن ظللنا نمسك شعرة معاوية ونرخيها بقدر الإمكان حتى لا تنقطع.
رغم ذلك ورغم عدم رضانا ورضا الكثيرين من أداء حكومة الثورة، ظللنا في مواصلة دعمها مادياً ومعنوياً، ولم نعارضها أو نحاول تكسير مجاديفها، أو نقلل من المجهودات التي تبذلها، أو على الأقل ما تحاول القيام به. عدم الرضا يأتي في البطء والسلحفائية التي تتبعها هذه الحكومة في إنجاز وتناول والتعاطي مع القضايا والملفات التي نعتبرها ويعتبرها الكثيرون من الأولويات، بل في إعتقادنا أن لها أولوية قصوى، باعتبار انها ملفات طارئة وحساسة ناضل الكثيرون وفقد آخرون أرواحهم وسالت دمائهم لتحقيقها، وكان من المفترض أن يتم إنجازها في الشهور الأولى من عمر الثورة وفي فترة لا تزيد عن الثلاثة أو الستة أشهر الأولى من عمر الحكومة الإنتقالية، وكنا نتوقع منها فوق ذلك أداءًا أفضل وأسرع من ذلك فيها وفي كثير من الملفات الأخرى ولكن يظل التلكؤ والتباطوء فيها بدون معرفة السبب.
فإذا أستثنينا أمر تشكيل الحكومة الانتقالية وسكتنا عنه برغم ما حدث فيه من تجاوز للكثيرين من ذوي الكفاءة، وهم أناس وطنيون أوفياء خلص أنقياء تمسكوا بمبادئهم، ولم يضعوا أيديهم أو يصافحوا الطغيان، ولم يلينوا أو يركعوا رغم الترهيب والترغيب، ولم تتوقف مناكفاتهم ومعارضتهم للنظام البائد، ولم تلن عزيمتهم، ولديهم المقدرة الفعلية في تولي المسؤولية، والكفاءة في إنجاز ما عجزت عنه هذه الحكومة، وكان من المفترض أن يكون كثير منهم داخل تشكيلة هذه الحكومة لولا ما حدث من محاصصات وترضيات وشلليات، وفي إعتقادي لديهم الحق بأن يكونوا في مركز القرار واستغربت تجاوزهم وتجاهلهم، بالرغم أنه كان من المفترض كما تم الإتفاق أن تكون حكومة قومية تتألف من كفاءات وطنية وهذا ما لم يحدث وتمت المحاصصات والترضيات والتوزيعات تحت الطاولة، وسكوتنا ليس خوفاً ولكن أملاً في أن يكون من تم تعيينهم قادرين أن يحققوا أهداف وتطلعات الثورة ولكن خاب أملنا فيهم وفي ثوريتهم وفي كفاءتهم وطريقة معالجتهم وإدارتهم لملفات وزاراتهم التي ظلت مكانها ولم تشهد تقدماً ملموساً يذكر.
الملفات التي كنا نتوقع من هذه الحكومة إنجازها هي ملفات تم التوافق عليها مسبقاً وتم النص عليها بوضوح في الإعلان الذي توافقت عليه قوى الحرية والتغيير، وكان أبرزها ملف السلام ووقف الحرب ومخاطبة جذور المشكلة، وتوزيع السلطة والثروة والتي كان مقدراً لها أن يتم الإتفاق حولها في الستة أشهر الأولى من عمر الفترة الإنتقالية، ومر عام وأكثر ولم يتم الإتفاق، ليس هذا بل الأسواء من ذلك تم ربط هذه عملية السلام بأكملها بملف تعيين الولاة وتعيينات المجلس التشريعي، فبدلاً أن يكون لدينا ملف واحد هو ملف السلام أصبح لدينا ثلاثة ملفات معقدة في ملف واحد عطل كامل برنامج الفترة الإنتقالية ولم يتحقق السلام الذي ننشده حتى الآن وتم تأجيل تعيين المجلس التشريعي ومعه تعيين الولاة المدنيين، وأصبحت الحكومة تنفيذية وتشريعية ودون رقابة عليها أو على أعمالها.
هنالك أيضاً ملفات إعادة هيكلة الخدمة المدنية والعسكرية، وإعادة بناء وتطوير المنظومة الحقوقية والعدلية، وضمان إستقلال القضاء وسيادة القانون. أيضاً ملف وقف التدهور الإقتصادي، وهو ما لم يتم إحراز أي تقدم فيه لعدم وجود رؤية محددة وموحدة، وتوزعت فيه أعمال اللجان التي لم ولن تنجز في ظل وجود معوقات عدم جدية وكفاءة من يجلس على كراسي الوزارات المعنية، وغيرها الكثير من الملفات التي ظلت مفتوحة ولا نعرف متى سيتم التطرق لها وحسمها.
إنقضى عام كامل ولم تبارح أي من هذه الملفات مكانها بل زادت وتراكمت عليها ملفات أخرى أشد ألماً ووجعاً على السودانيين من عملية السلام والحالة الإقتصادية، وهو ملف مجزرة القيادة الذي ينتظر العدالة والقصاص والذي راح ضحيته خيرة أبناء الشعب السوداني، وظل الملف مفتوحاً طيلة عام كامل وأكثر ينعم فيه الجناة والقتلة بالحرية دون أن يتم محاسبتهم أو تطالهم يد القانون، ولا أعلم هل تطالهم أم سيتم دفن الملف كما دفنت الرؤوس في الرمال في قضايا أخرى.
أيضا ملف منتسبي النظام السابق الذين ظلوا في أماكنهم وينعمون بوظائفهم حتى اللحظة في كل الوزارات، وكأن هذه الثورة لم تقم إلا لتزيدهم إستقراراً وتمكيناً دون أي مساءلة، ولازالوا يسيطرون على مفاصل الدولة ويتحكمون في كل القرارات الحساسة، ولازالوا في مواقعهم ووظائفهم في كل أنحاء الخدمة المدنية والخارجية والجيش والشرطة والنيابة والقضائية وغيرها من الهيئات والوزارات التي جلس وزرائها على الكرسي ولم يقدموا شيئاً يذكر في هذه الملفات أو طريقة حسمها وظل الوضع على ما هو عليه كأن الأمر لا يعنيهم وكأن الكرسي الذي جلسوا عليه كان هو الغاية.
لا نعرف متى ستتم المحاسبة لمنسوبي النظام السابق ومرتكبي مجزرة القيادة، ولا نعرف متى سيتم تعيين الولاة، ولا نعرف متى يتم اصلاح الاجهزة العدلية، ولا نعرف متى يتم إزالة التمكين من الوزارات والخدمة المدنية والنيابة والسلطة القضائية والخارجية، فإذا كانت كل هذه الملفات بعد مرور عام على الحكومة لم يتم حسمها، فبالله ماذا أنجزت هذه الحكومة.
لم نجهر بها قبلاً ولكن هنالك الكثير ممن لديهم الكفاءة والثورية والمؤهلات والمقدرة المطلوبة كان يمكنهم الأداء والنجاح فيما عجزت فيه هذه الحكومة ووزاراتها وهيئاتها، وكان يمكن أن ننجز أفضل مما أنجزته هذه الحكومة، خاصة الملفات التي ذكرناها ولم تطأها أقدام الحكومة حتى الآن وأدارت لها ظهرها وكأنها لا تعنيها.
أخيراً نقولها بصوت عالي أننا ندعم هذه الحكومة وسنظل ندعمها، ولكن صدقاً لا نعرف إلى متى سيظل دعمنا هذا قائماً في ظل هذا التخبط والفشل الذي ظل يلازمها في إنجاز تطلعات الشعب وتحقيق أهداف الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …