‫الرئيسية‬ رأي عصف ذهني: لا أستطيع التنفس (١)
رأي - يونيو 13, 2020

عصف ذهني: لا أستطيع التنفس (١)

كارم عبد المنعم ابو زيد

بناءا على نظرية تأثير الفراشة The butterfly effect التي ابدعها عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورينز فإنه إذا رفرفت فراشة بجناحيها في طوكيو فإن ذلك قد يؤدي إلى حدوث إعصار في تينيسي الأمريكية. فكيف يمكن قراءة ما يحدث الآن في الولايات المتحدة مقروءة مع أحد شعارات ثورة 2019 المجيدة(العدالة) كمحفز لإعادة التفكير في مفاهيم العدالة الاجتماعية و التنمية البشرية في السودان؟ قبل أن بحدث إعصار اجتماعي عنيف لا يبقي و لا يذر! لا قدر الله.
اتاحت لي ظروف العمل أن اجوب السودان من جنوبه إلى شرقه ثم غربه و ومؤخرا شماله و وسطه. و خلال هذه الفترة التي امتدت لعقدين من الزمان تراكم لدي قدر يسير من المعرفة – سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت السميع العليم- قد يتيح لي التجروء على الحديث اذا سمحتم لي – عن إشكالات العدالة الإجتماعية و تقاطعاتها مع عناصر التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، الخ.
و مما شهدت و شاهدت أن كل المدن في السودان على إطلاقها محاطة بحزام من مدن أخرى مقابلة لها من الصفيح أو القش أو البلاستيك (shanty towns, slums ) ويسكنها بشر مثلنا و مواطنون مثلنا و لهم كل الحقوق و عليهم كل الواجبات تماما كما لنا و علينا ، الفارق الوحيد أن ساكني هذه المدن او المعسكرات أو سمها العشوائيات تجاوزا – يرزحون بشكل مزمن تحت نير الثالوث المرعب(الجهل، الفقر و المرض) في حلقة جهنمية لا فكاك منها. وهؤلاء المواطنون في الأصل كانوا ضحايا لحروب عبثية في الجنوب أو دارفور أو جبال النوبة أو النيل الأزرق أو كوارث طبيعية كالجفاف العظيم الذي ضرب السودان في سبعينيات و ثمانينيات القرن الفائت مما حدا بهم إلى النزوح و الهجرة إلى مناطق أخرى قريبه أو بعيدة منهم جغرافيا او نفسيا تتسم ببعض السمات الحضرية نسبيا بحثا عن الأمان و سبل العيش الكريم في ظاهرة ديموغرافية طبيعية و إن كانت سالبة في نتائجها على المدى البعيد. (ظاهرة نزيف الريف و ترييف المدن).
هذه التجمعات السكانية سواء كانت في الريف أو الحضر-بتعريفاتهما المختلفة- تتميز بتنوعها الاثني و القبلي و بكثافة سكانية عالية، و بالتالي موارد بشرية هائلة تقابلها نسب بطاله عالية وسط الفئات العمرية المنتجة productive age groups أو قد تجد مجاميع بسيطة منهم تعمل في سلك القوات النظامية في درجاتها الدنيا كملاذ امن لهم و وأسرهم قد يضمن لهم النذر اليسير من العيش الكريم. بينما الغالبية العظمى من سكان مدن الصفيح تنخرط بشكل أو بآخر في أعمال هامشية بمقابل يومي لا يكاد يسد الرمق و في الغالب لخدمة أغراض سكان المدن المقابلة و هم في الغالب من الطبقات المتوسطة و العليا نسبيا – ذات النمط الاستهلاكي و ذات الطلب العالي للعمالة اليومية. و لو أضفنا إلى كل ذلك النقص المريع أو انعدام التخطيط العمراني و بالتالى انعدام الخدمات الصحية و التعليمية و ومؤسسات إنفاذ القانون و حفظ الأمن ، فإننا نجد أنفسنا أمام وصفة نموذجية للقنبلة الاجتماعية الموقوتة A typical recipe for a social time bomb
طيب ما هي الأفكار التي يمكن طرحها لمحاولة تفكيك هذه القنبلة شديدة الانفجار و التعقيد؟
بإذن الله في بوست قادم سوف أحاول بقدر الإمكان أن أطرح بعض الأفكار والمقترحات المتواضعة ذات الصلة بالموضوع أعلاه، أملا بذلك أن احرك سكون البركة و أدفع باتجاه نقاش هادف في هذا السياق.

والله المستعان.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …