‫الرئيسية‬ رأي تسقط بس التحديث والتحول الديمقراطي (٢)
رأي - يونيو 14, 2020

تسقط بس التحديث والتحول الديمقراطي (٢)

د خالد عثمان طه خليفة

في المقال السابق تحدثت عن معوقات التحديث وأوضحت أنها مركبة وحاضرة ومتجذرة في كل الحقول، ولهذا لن تجدي الحلول الجزئية التي لاتربط أجزاءها استراتيجية وطنية شاملة، فنتوهم أن تغيير الحكم والاتفاق السياسي الفوقى وحده يكفي، أو نعمل على حل المشكلة الاقتصادية ولانربطها بالانسان وحرياته والمجتمع وروابطه وأمنه وسلمه والعدالة الاجتماعية وحقوق وحريات مكوناته، أو أن قوة سياسية أو تحالف بعض المكونات مهما كانت أغلبيتهم يمكن أن يقصي الآخرين ويقود التغيير، هذا ما جربناه في أكتوبر ثم أبريل وفشلنا فشلا منكرا.
وعليه لابد من استخدام منهج كلي للتغيير وقيم ومبادئ كلية تنتظم حولها قوى الثورة من مختلف مكونات الوطن لا تستثني أحداً لتحقيق أهداف الثورة.
المنهج الكلي المقترح هو منهج التنمية الشاملة المستدامة المتوازنة المرتكز على الإنسان الممتلك لحرياته وحقوقه الأساسية، وهذا ما انتهجته دول الغرب وبعدها اليابان ونمور آسيا.
يعني هذا تجاوز مفهوم التنمية الاقتصادية الجزئي والذي يهتم فقط بزيادة الناتج والدخل القومي ومعدلات النمو وغيرها. هذه التنمية الجزئية قاصرة لأنها تغفل الإنسان و حرياته وتغفل الحقل الاجتماعي وأمنه وحقوقه وتغفل الحقل السياسي والحريات المدنية و السياسية. هذه كلها عناصر بناء عملية التنمية الشاملة، تؤثر وتتأثر ببعضها ويجب العمل فيها في نفس الوقت ولايجب تأجيل أيا منها بأي حجة فكلها
مهمة، فالعامل الاقتصادي مهم ولكنه جزء من بناء تتكامل وتتفاعل عناصره لإنجاز عملية التنمية الشاملة، لكن يجب التأكيد دائما على أن الإنسان هو أهم عناصر هذا البناء، بل إن تحقيق حرياته وحقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية هي غاية التنمية وأن النجاح الاقتصادي يقاس بمدى قدرته على توفير هذه الحقوق والحريات للإنسان ، ويمكن القول إنه غاية التنمية ووسيلة تحقيقها.
لتطبيق منهج التغيير الشامل لابد من تحديدالقوى القادرة والراغبة في تطبيقه، فهي التي صنعت الثورة وصاحبة المصلحة في التغيير الكلي والشامل وأعني غالبية الشعب الصامتة غير المنتمية للأحزاب القديمة يمينا ويسارا ، والتي ظلت حيناً من الدهر مفعولا به ثم تحولت إلى فاعل ملأ الفضاء العام وصنع الثورة التي ظن أولئك أنها مستحيلة. يجب أن لا ينسحب الفاعلون من الفضاء العام الذي احتلوه وان يطوروا حراكهم الجماهيري العفوي الجامع لكل مكونات الوطن المختلفة حول مبادئ و أهداف الثورة إلى حركة أكثر تنظيماً، لتجبر أعداء الثورة الفاضحين وأعداءها الحميمين على المسير على سراط الثورة المستقيم.
ولتبدأ بتنمية الإنسان السوداني بتوفير حقوقه وحرياته ليكون فاعلا وقادرا على المشاركة في صياغة وتنفيذ عملية التنمية، لا عاجزاً يتلقى الإعانات وينتظر من يعالج مشكلاته.
ليتمكن من تغيير وتطوير الروابط القبلية والطائفية والجهوية في مجتمعه، ولانعني إلغائها، بل نعني الوعي بأن الإنتماء لها يجب أن يكون مشروطا بالحرية، حرية التأمل والتفكير فيها ونقدها، ومن ثم حرية الانتماء لها أورفضها كلها أو بعضها، كما يعي أن الانتماء لها لا يعني أنها انتماؤه وهويته الوحيدة، بل إن الأصل في الإنسان أن يكون متعدد الهويات والانتماءات، يكون له انتماء ديني وقبلي ومهني ورياضي وسياسي، وسوداني، وهنا تأتي الهوية الوطنية المشتركة والتي يأتي علوها من أنها القاسم المشترك المتوافق عليه من كل المكونات لتتشارك في الإنتماء لهذا الوطن.
إن تعدد الهويات يحرر الإنسان من السجن في هوية واحدة تقضي على انتماءاته الأخرى وتعزله عن الآخرين وتهيئه للعدوان والوحشية ضد الآخرين لأنها حين قضت على الانتماءات التي تجمعه بهم قضت على التعاطف والرحمة والرأفة بهم.

كما أن الإنتماء للهوية المشروط بالحرية يكون انتماء واعيا تعتز به دون تعصب أوكره للآخرين، بل بتسامح يمكنك من الاعتراف بحق الآخرين مثلك تماما في أن يختاروا انتماءهم المختلف عنك، بل تحترمهم وتتواصل وتتعاون معهم. هذا لأنك من تمتلك هويتك وليست هي من تمتلكك وتسيرك كيف شاءت.
إن قوى الثورة المنظمة في حركتها الجماهيرية وبتفعيلها للإنسان السوداني وتطويرها لروابط المجتمع قادرة على إجبار الأحزاب القديمة على تجديد بنيتها الفكرية والتنظيمية.
وهي قادرة على طرح أسئلة الواقع الملحة في الحقل الفكري لتكون الإجابات وليدة البحث العلمي الجاد والمتحاور مع الواقع، فتأتي عميقة ومنسجمة مع واقعنا وخصوصيته ومع ما يقترحه العصر، فنتمكن من تبيئتها فيه، ونتجنب النقل الكربوني للمفاهيم والمصطلحات، والعداء والرفض المطلق لها، ونتخلص من التعامل السطحي والتكتيكي مع القضايا الاستراتيجية الذي تفرضه المصالح الحزبية الضيقة والنظرة الأيديولوجية التي لا ترى إلا ذاتها.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …