‫الرئيسية‬ تقارير تقرير أوروبي : السودان سيدخل عهدا مظلما إذا لم يواجه الشق المدني سيطرة الجنرالات على المال
تقارير - يونيو 22, 2020

تقرير أوروبي : السودان سيدخل عهدا مظلما إذا لم يواجه الشق المدني سيطرة الجنرالات على المال

تقارير – الشاهد

صدر تقرير جديد بخصوص السودان من “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” بعنوان “شركاء سيئون: كيف تهدد الأموال الخفية الانتقال في السودان”، حيث يستكشف الخبير الأوروبي في الشؤون السودانية جان بابتيست غالوبين، الديناميات الدولية والمحلية التي تفسر جمود الانتقال في البلاد، ويحلل موازين القوى في الخرطوم وتأثير الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على العملية السياسية، ويحدد دورهما في زيادة زعزعة الاستقرار في السودان.
ويصل التقرير إلى خلاصة أن السودان فشل في الانتقال لحكمٍ دستوري حتى الآن لعدة عوامل، أهمها أن إصلاح المؤسسات السياسية الحقيقي لم يبدأ بعد، في وقتٍ تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية عنيفة وتراجعًا كبيرًا في الظروف المعيشية، مع ازدياد العنف المحلي والاشتباكات القبلية، في ظل إفلاس الشق المدني من الحكومة والذي يقول عنه “بابتيست” إنه غير مستعد لمواجهة الجنرالات الذين يسيطرون على شبكة مترامية الأطراف من الشركات ويبقون البنك المركزي ووزارة المالية في حالة مزرية للحفاظ على سلطتهم السياسية وسيطرتهم على مقاليد الحكم في البلاد، حيث “يستخدم الجنرالات أموال الشركات التي لا يعلم أحدٌ عنها أي شيء لإبقاء الحكومة المدنية تعتمد عليهم، ولضمان إبقائها تعتمد عليهم” ويضرب مثلًا بالوعد الذي قطعته القوات المسلحة بالمساهمة بمبلغ ملياري دولار في ميزانية الحكومة لعام 2020، ثم تخفيضها للرقم بشكلٍ تعسفي إلى مليار دولار، بعد أن ألقت باللوم على الانكماش الاقتصادي الناجم عن فيروس كورونا.

خذلان غربي

ويوضح التقرير أن الدول الغربية والمؤسسات الدولية قد خذلت الجناح المدني للحكومة، وذلك بفشلهم في تقديم الدعم المالي والسياسي الذي سيسمح لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك بالصمود أمام الجنرالات المتكالبين على السلطة، ويشدد على أن المرحلة الانتقالية لن تنجح ما لم تعمل الحكومة على استقرار الاقتصاد، وعمل المدنيون بجدية لإمالة ميزان القوة نحو أنفسهم بعيدًا عن العسكر.
ويؤكد التقرير على أن مؤتمر المانحين المقرر في حزيران/يونيو الجاري سيكون اختبارًا حاسمًا لحسن النوايا الدولية، ويضيف أن أصدقاء السودان الدوليين قد سبق وفقدوا بالفعل وقتًا ثمينًا لمساعدة السودان. لكنه يرجع ويقول بأن القلق الرئيسي للمانحين الدوليين وإن كانوا مترددين في الاعتراف بذلك علنًا، هو أن المساعدات الإنمائية للسودان ستنجح فقط في تمكين الجيش والقطاع الأمني من تجنب القيام بدورهم لإصلاح الاقتصاد السوداني المدمر، حيث يكشف كيف تقاسم تقاسم الجنرالات شركات النظام السابق، وتنافس خلف الكواليس كل من الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، للسيطرة على الموارد وشبكة المخابرات الهائلة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني “المخابرات العامة حاليًا. ولذلك ينادي التقرير بالسيطرة المدنية على الشركات شبه الحكومية والذي يعده شرطًا مسبقًا للحكم المدني. ويضيف أنه من خلال السيطرة على الشركات شبه الحكومية، يمكن للحكومة المدنية إقناع هؤلاء المانحين بأن السودان منخرط في إصلاحٍ جوهري.

الإمارات والسعودية وزعزعة الاستقرار

ويشير التقرير للدور المتعاظم و”الإنفاق السخي” للإمارات والسعودية لتشكيل العملية السياسية في البلاد، حيث يكشف عن ميل البلدين لتكرار التجربة المصرية في السودان، وذلك عن طريق تجهيز رجلهما القوي في الداخل، قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي” لحكم البلاد، وذلك عن طريق الدعم المالي والعيني، المباشر والخفي، لزيادة سطوة الرجل في السلطة، مع تقديمه كمخلص للسودانيين الذين يرزحون تحت وطأة ضغوط الأوضاع الاقتصادية والضائقة المعيشية، وذلك في ظل معارضة ومقاومة شديدة من القوات المسلحة، ويضيف “في جميع أنحاء المنطقة ، أظهرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تفضيلهما للحكومات العسكرية على الديمقراطيات التي يقودها المدنيون”.
ويرصد التقرير تغلغل نفوذ البلدين الخليجيين في السياسة السودانية بعد الثورة منذ اللحظات الأولى بعد الإطاحة بالبشير، حيث وعدا بتقديم ثلاثة مليارات دولار لدعم الجنرالات. والأخطر من ذلك أن قدم الإماراتيون مستشارين وأسلحة ومعدات لحميدتي، مما أغضب القوات المسلحة السودانية وزاد من مستويات التنافر بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، الأمر الذي يجعل العديد من الضباط يخشون من تصعيد حادثٍ محلي إلى اشتباكات أوسع نطاقا بين القوتين، حسب تعبير التقرير.
ويكشف التقرير أيضًا عن دورٍ للإمارات العربية المتحدة في اللقاء الذي تم بين البرهان ونتنياهو، حيث سهلت الإمارات عقد الاجتماعٍ السري بين الرجلين في يوغندا، وذلك حسب إفادات محللٍ للسياسات الخارجية في واشنطن. واعتبر التقرير أن ذلك جزءً من دعم البلدين للجنرالات في السودان.
ويضيف التقرير وفي إشارة لمدى تغلغل الإمارات في السياسة السودانية، أنه حتى الأطراف المؤثرة في قوى الحرية والتغيير والحركات المسلحة، قد اتخذوا مواقف مهادنة للإمارات والسعودية وحميدتي بعد زياراتهم للإمارات، الزيارات التي لم يعلنوا عنها ولكنها باتت سرًا مكشوفًا للسودانيين. ثم يقول إن “الجانب الأكثر إثارة للقلق في سياسة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يكمن في الطرق التي وجهوا بها مساهماتهم المالية من خلال “حميدتي”، مما يدلل على أن القوى الخليجية يمكن أن تستخدم قوتها المالية لتشكيل نتيجة العملية السياسية الداخلية في السودان، وإعادة توجيه تدفق الأموال لدعم حميدتي وزيادة مفاقمة الأزمة الاقتصادية لتقديمه كمنقذ في الأوساط الشعبية السودانية.

الدور الأوروبي المنشود

ويشدد التقرير على أنه يجب على أوروبا أن تحاول أن تُظهر للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أن مصالحهما الاقتصادية في السودان ستكون محمية بشكل أفضل من قبل الحكام المدنيين الأكفاء أكثر من الجنرالات.

ويضيف بأنه من أجل إيصال هذه الرسالة بشكل صريح إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، يجب على دول الاتحاد الأوروبي أن تبدأ جهدًا مشتركًا على المستوى الوزاري وبدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج، إن أمكن ذلك. بل وأضاف أنه يجب عليهم دعم حمدوك سياسيًا من خلال الإعلان علنًا عن التزامهم بجهوده للسيطرة على تدفقات الإيرادات التي يسيطر عليها حاليًا الجيش والقطاع الأمني، مع تزويده بضمانات دعم خاصة في حالة حدوث أزمة بسبب الجنرالات. ويشدد أنه يجب أن يفعلوا ذلك الآن قبل فوات الأوان. ثم يشدد بأن ” التقاعس الغربي قد مكّن أبو ظبي والرياض من لعب دورٍ بارز في السودان، ما دفع البلاد إلى الاقتراب أكثر من الحكم العسكري أو الحرب الأهلية”.

ويوضح التقرير إنه لعكس هذه الاتجاهات، يتعين على حمدوك و قوى الحرية والتغيير العمل بشكلٍ عاجلٍ لتحويل ميزان القوى بعيدًا عن الجنرالات. حيث أنه من شأن عنصرٍ مدني قوي في الحكومة أن يكون قوة موازية وموازنة للأجهزة العسكرية والأمنية، ويخفف التنافس بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ويزيد من احتمالية نجاح الانتقال. كما سيتطلب الاستقرار الاقتصادي، وبعيدًا عن الإعانات والمساعدات الدولية والاقليمية، تحويل الجدل الاقتصادي في السودان إلى مسألة كيف يمكن للسلطات المدنية أن تحصل على إيرادات أكبر، لا سيما من خلال استعادة الأصول التي سرقها نظام البشير، وعن طريق السيطرة على الشبكة المترامية الأطراف للشركات شبه الحكومية التابعة للجيش و قطاع الأمن. ويقول أنه “يجب على الأوروبيين استخدام علاقاتهم مع حمدوك، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية لفرض سيطرة مدنية على شبكات الشركات التي يحتفظ بها الجنرالات”.

ويشدد على أنه يجب على الدول الأوروبية زيادة تمويل المشاريع التي تسمح لحمدوك وحكومته إظهار أنه يمكنهم تحسين حياة السودانيين للجماهير. وتحتاج حكومة حمدوك أيضًا للدفاع عن الحكم المدني وفرض السيطرة على الشركات التي يديرها الجيش والأجهزة الأمنية حاليًا ولكنه يرجع ويؤكد أن هذه المسألة ليست سهلة، حيث يشكل هذا المشروع خطرًا كبيرًا. وإذا ضغط حمدوك بقوة، فقد يتحد الجنرالات ضد القادة المدنيين. ولكن لا توجد طريقة أخرى. وعلى حد تعبير أحد الدبلوماسيين: “لن يضع السودان نفسه على درب تخفيف الديون إذا لم ينظم الاقتصاد غير المشروع”.

يختم التقرير صفحاته بنبرة متأسية على ما آلت إليه الأوضاع في السودان، حيث يقول إن البلاد دخلت فترة نادرة من عدم الاستقرار في ميزان القوى. حيث لا برهان ولا حميدتي ولا حمدوك، ولا قوى الحرية والتغيير؛ يمكنهم أن يأملوا في الحكم بدون الآخر في الوقت الحالي. ويضيف أنه “بدون تصحيح المسار الرئيسي، من المرجح أن يدخل السودان عصرًا مظلمًا” جديدًا في تاريخه

‫شاهد أيضًا‬

دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر

د. أسامة تاج السر : تمثل دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر، واجهة كبرى من واجهات جامعة الخر…