30 يونيو: الاستفتاء الشعبي الثاني
النور حمد
أرسلت التظاهرات التي جرت نهار أمس، في مدن العاصمة القومية الثلاث، وفي عديد المدن الإقليمية، والقرى، رسالةً بالغة القوة، مفادها، أن أوار ثورة ديسمبر العظيمة لا يزال متقدًا. ولا مشاحة البتة، في أن أداء منظومة الحكم الانتقالي المكونة من المجلس السيادي؛ بشقيه المدني والعسكري، ومجلس الوزراء، قد كانت أقل بكثير من دفق هذه الثورة، وروحها، وتطلعات ثائريها. ويعود التلكؤ وضعف الأداء، إلى عاملين رئيسين: الأول أن الشريك العسكري لم يكن مؤمنًا بالثورة أصلاً، وقد نزل إلى الشراكة معها مكرها. لقد كانت خطته الأصلية، أن يدير الفترة الانتقالية منفردًا ويصنع ديمقراطيةً زائفة، تخرج على الصورة التي يودها، وفقًا لتصوراته، ولتأثره بالنظام المدحور في النظرة الدونية إلى الجماهير.
لقد أرادت ما سميت باللجنة الأمنية العسكرية أن تحول الثورة إلى مسخ، لا يغير شيئًا في بنية النظام القديم، وشبكة المصالح الفردية والجهوية التي سادت فيه؛ بما في ذلك دولته الموازية، التي أفقرت الجميع. وقد كان التوجه لخدمة أجندة المحور السعودي الإماراتي المصري، ظاهرًا جدًا في البداية. من أقوى الدلائل على عدم الإيمان بالثورة، القيام بمذبحة القيادة العامة، ورفض تسليم البشير ومرتكبي جرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية. يضاف إلى ذلك، التراخي المريب، في محاكمة رموز النظام المدحور، وغض النظر عن منسوبيه، الذين ما انفكوا يتحرشون بالثورة والثوار، بل ويهددون بقتل المسؤولين. كانت خطة العسكريين، فيما يبدو، اللعب على عنصر الزمن، بزعم أن عقد الثوار سينفرط، تلقائيا. وأن خلق الأزمات، وخلق سيولة أمنيةٍ عامة، سوف يجعل الثوار ينقلبون على حكومة حمدوك، فتصبح الأحوال العامة مضطربة بقدر يمنحهم فرصة السيطرة الكاملة.
أما العامل الآخر، فهو ضعف إيمان المكون المدني في أقسام الشراكة، بالثورة والثوار. ولا غرابة فهذه هي بنية عقول النخب السياسية السودانية، التي لا ترى في الجمهور سوى مركبٍ إلى الكراسي والوجاهة. أدت سلحفائية الأداء وضعف الكاريزما القيادية وسط المكون المدني إلى سيطرة المكون العسكري على المشهد، خاصةً، أن حظ المكون المدني في الشراكة قد جاء مبخوسًا، منذ البداية، بسبب العوار الذي شاب بعض جوانب الوثيقة الدستورية. لقد كانت مسيرات الأمس الحاشدة، استفتاء شعبيًا جديدًا، بعث برسائل بالغة القوة والوضوح إلى منظومة الحكم، بكل مكوناتها. وقد أظهرت المقابلات التي أجراها تلفزيون السودان مستوى عاليًا من الوعي وسط القوى الشبابية التي أكدت على الإسراع بقيام المجلس التشريعي، والقصاص من مرتكبي الجرائم، وكذلك، استكمال هياكل الحكم، حتى يتسنى إصلاح القوانين وفك قبضة النظام المدحور من مفاصل الدولة.
هناك مؤشرات إيجابية تدل على تغييرات مهمة. منها: ضبط تفلتات منسوبي النظام المدحور، وخطاب حمدوك الأخير، الذي وعد فيه بقرارات حاسمة، يُتوقع أن يكون من بينها تشكيل المجلس التشريعي، وتعيين الولاة المدنيين، وقيام المفوضيات، وتسريع العمل في الملفات المتعثرة. باختصار، هناك الآن ما يشير إلى أن المكون العسكري قد بدأ يتخلى عن استراتيجيته القديمة، وفي هذا فألٌ حسن. أيضًا، في المقابل، عرفت قوى الحرية والتغيير، وحكومتها أن الشعب قادرٌ على قلب الطاولة عليها. إذن، فليفهم الجميع الرسالة على النحو الصحيح. وليستخدم حمدوك هذا التفويض الشعبي الكاسح، ويعمل على انفاذ الإرادة الشعبية بلا وجلٍ أو مواربة. فلقد برهن الشارع، بالفعل، أنه واقف على أمشاط أصابعه لحماية ثورته. وما ضاع حقٌّ وقف وراءه مطالب.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …