ثوار في مواجهة (رئيس وزراء الثورة) … التأمل في السيناريوهات القادمة !!
ماهر أبوجوخ
أطلعت على التصريح الصحفي الذي أصدرته لجان المقاومة بولاية الخرطوم والذي أعلنت فيه قرارها الخاص بإطلاق جدول التصعيد الثوري من أجل تصحيح مسار الثورة وإستكمال أهدافها والضغط لتنفيذ بنود المذكرة التي قدمت لمكونات الحكم الإنتقالي، وأعلنت لجان المقاومة في تصريحها الصحفي عن إنخراطها في إجتماعات مكثفة لبحث وتنسيق جدول التصعيد الثوري بأسرع وقت ممكن لتصحيح مسار الثورة.
حمل هذا البيان إشارات داخل سطوره وما بينها، ورغم صياغته بلغة عبرت جهراً في بعض المواضع وإحتفظت هوامشه بكثير من (السر) ولعل مغزى (الكتمان) عوضاً عن (الإفصاح) في تقديري مرده الأساسي رؤية شباب وشابات لجان المقاومة نابع من تصور الصراع القائم على تصور تأسيس العملية السياسية ما بعد سقوط النظام البائد على طرفين (المكون العسكري) و(المكون المدني)، ولذلك إختاروا أن يجنحوا لـ(السر) حتى لا يسهموا في إضعاف الحلقة الأقوى في المكون المدني المتمثل في شخص رئيس الوزراء بإفتراض أن إضعافه سيكون حسب تصورهم في مصلحة (المكون العسكري).
رغم (السر في القول) لكن النتيجة الواضحة من ثنايا سطور البيان ونتيجته المتمثلة في الإعلان عن ترتيبات لإعداد وإعلان جدول التصعيد الثوري تجعل ما تم إختياره ليكون حبيس الصدور قد خرج ليس قولاً وإنما فعلاً، فالإنتقال لخانة إعلان جداول التصعيد الثورى تعني ضمنياً إقرار بعدم الإستجابة وتحقيق مطالب مليونية 30 يونيو خاصة بعد إنتهاء مهلة الأسبوعين التي حددها رئيس الوزراء لإتخاذ القرارات الصعبة، وبالنظر لما تم إنجازه فعلياً على الأرض نجده يتمحور بشكل أساسي في إعفاء مدير الشرطة السابق الفريق أول عادل بشائر ونائبه في ما ينتظر بداية محاكمة قيادات النظام البائد يوم الثلاثاء 21 يوليو.
على الضفة الأخرى فالمؤكد أن رئيس الوزراء حينما حدد الأسبوعين فإنه كان يأمل في إحداث إختراقات في ملف السلام خاصة مع الجبهة الثورية تفتح الطريق أمام إستيعاب مكوناته في أجهزة الحكم الإنتقالي وبالتالي حل عقدة إختيار الولاة المدنيين والمجلس التشريعي الإنتقالي وتشكيل حكومة جديدة، إلا أن تلك الجهود تعثرت لعوامل خارج إرادة رئيس الوزراء بسبب رفض الجبهة الثورية التوقيع بالأحراف الأولى على الإتفاق، وإندلاع تجاذبات عنيفة بخصوص قوائم الترشيحات الخاصة بالولاة بعضها متصل بالمكونات السياسية وأخرى ذات صلة بقضايا تمثيل النسا. حصيلة هذا المشهد بشكل إجمالي أعاق مساعى رئيس الوزراء في الملفات الثلاثة (تعيين أو تكليف الولاة المدنيين، تكوين المجلس التشريعي الإنتقالي وتشكيل الحكومة الجديدة).
قد تبدو العوامل التي أشرنا إليها سابقاً تبررها الوقائع ولكن هل الأزمة والتصعيد مرتبطة بالجوانب الخاصة بـ(إستكمال بناء المؤسسات أما الأمر يتعداها لجوانب أخرى؟)، في تقديري أن الثانية هي الأكثر دقة ولذلك دعونا نقيم ردة الفعل على إستقالات وإقالات وزراء الحكومة فلجان المقاومة تتفق في نقطتين حيالها أولها عدم إقتناعهم بقرار إقالة وزير الصحة دكتور أكرم على التوم وثانيهما عدم إقتناعهم ببقاء وإستمرار وزير الصناعة والتجارة مدني عباس، ويبدوا أنهم قبلوا الأمر على مضض بإعتبار أن رئيس الوزراء هو صاحب الإختيار والقرار إلا أن بيان صحفي منشور لوزير المالية المستقيل إبراهيم البدوى أشار فيه (بأن هناك ترتيبات كانت تجرى وراء الكواليس وبتكتم شديد للتفاهم مع شخص من داخل الوزارة وعلى دراية بمفاوضات SMP –وهذا إختصار بالأحرف الأولي لبرنامج مراقبة صندوق النقد الدولي، الكاتب-ليصبح وزيراً مكلفاً بديلاً عني عندما يأتي الوقت المعلوم)، وبشكل ملخص فإن بيان وزير المالية المستقيل قدم للمتابعين من الخارج لمشهد إدارة الحكم من الداخل والتي كانت في حقيقة الأمر (صادمة وغير مقبولة ومتعارضة مع دعوات الثورة نفسها في ترسيخ وتعزيز الحكم المؤسسي لدولة ما بعد الثورة).
ما أورده وزير المالية المستقيل سلط أضواء كاشفة على منهجية العمل المتبعة داخل مكتب رئيس الوزراء عموماً ولدور بعض الشخصيات الموجودة داخله على وجه الخصوص ومدى تأثيرها على القرارت والمسارات التي يتبعها رئيس الوزراء منذ تكليفه قبل ما يقارب العام، وتلى ذلك تسليط الضوء على شخصيات ظلت بعيدة عن دائرة الإعلام أبرزهم الشيخ خضر ود.صلاح عوض ود.أمجد فريد وآخرين. بغض النظر عن إختلاف التوصيفات لتلك المجموعة ما بين ربطها سياسياً بالمجموعات المغادرة لساحة الحزب الشيوعى خلال السنوات الماضية –وهو التصنيف الذي يشمل حتى رئيس الوزراء- وصلته بالقيادي والعضو السابق بالشيوعى د. الشفيع خضر أو تصويرها في إطر أوسع من مواعين الشيوعي بإعتبارهم تيار أشمل من توصيف الشيوعيين السابقين بالنظر إلي أن القاسم المشترك بينهم هى (حركة التغيير الآن).
الإنطباع العام الذي ترسخ في أذهان الرأي العام حيال تلك المجموعة الموجودة بمكتب رئيس الوزراء المتهمة بالسيطرة على وضح تماماً بأنها سلبية للغاية، وبالضرورة أن تتأثر صورة رئيس الوزراء شخصياً بذلك التقييم السلبي المصاحب لتقييم أداء بعض العاملين بمكتبه، ومن الطبيعي أن تلعب هذه التداعيات دوراً في تشكيل رؤى ومواقف شباب وشابات لجان المقاومة الذين يعدون السند الأقوى والأبرز لرئيس الوزراء وتتمظهر على شاكلة مواقف سياسية تتسق مع شعورهم بـ(الصدمة) من الوقائع المذكورة وسط صمت مطبق أقرب لتعزيز صحة الوقائع المتداولة ووجود مؤشرات متزايدة أن (كرة الثلج المتدحرجة مرشحة للزيادة في كل مرة).
السيناريوهات المستقبلية المترتبة على إعلان وتنفيذ جداول التصعيد الثوري -في حال عدم إتخاذ رئيس الوزراء لتدابير فعلية على الأرض تقلل الإحتقان وتستجيب لجزء كبير من مطالب مذكرة موكب 30 يونيو- من المرجح أن تقود المشهد صوب سيناريوهين أولهما إستمرار رئيس الوزراء في الحكم مجرداً من سنده الشعبي وهذا سيقود لإضعافه أمام مكونات ومؤسسات الحكم الدستورية –مجلس السيادة- والسياسية –قوى الحرية والتغيير- ونهاية هذا المسار ستقود للسيناريو الثاني بتقديمه للإستقالة وخروجه من المشهد نهائياً وقد يتم الإنتقال لهذا السيناريو دون المرور بالسيناريو الأول في حال تفاقم الأمور ووصول رئيس الوزراء لقناعة بعدم إمكانيته إدارة الأمور في ظل تعرضه لضغوط متزايدة شملت حتى أبرز مناصريه ممثلين في (لجان المقاومة) لاتي ظلت لما يقارب العام هي سنده وعمقه الأساسي الذي ظل يستند عليه ويجابه به الأزمات التي نتج بعضها عن ضعف الأداء التنفيذي لبعض الوزارات.
التعاطي مع هذيين السيناريوهين ومآلاتهما أمر مهم لكافة الأطراف فخروج رئيس الوزراء من المشهد سيفرز تعقيدات وأزمات حقيقية في حال عدم الوعى والتحسب للنتائج المترتبة عليها في حال إستمرار لجان المقاومة وشروعها في تطبيق جدول التصعيد الثورى دون رسم سيناريو مستقبلي لمآلات الأحداث وتطوراتها ونتائجها، بما في ذلك إمكانية دفعها لرئيس الوزراء لتقيدم إستقالته والخروج من المشهد. لذلك فإذا كان خيار التصعيد الثوري وقرارهم بأن يمضوا في هذا المسار حتى نهاياته فعليهم (أن يعلموا مسبقاً طرق الخروج الآمن قبل الدخول) وهذا يعنى عملياً تحوطهم لسيناريو الإستقالة بتوفيرهم لبديل كشخص ورؤى، وإلا فعليهم مجابهة عواقب وخيمة للغاية بما في ذلك تعثر أو إنهيار المرحلة الإنتقالية.
تجاوز السيناريوهات المشار إليها سابقاً ممكن في حال توفر شروط موضوعية بعضها عند لجان المقاومة وجلها بيد رئيس الوزراء وقليل منها عند قوى الحرية والتغيير. فرئيس الوزراء عليه أن يخرج لشعبه ويشرح لهم ما تم إنجازه خلال مهلة الأسبوعين وما إستعصي وأسباب ذلك التعثر وتصوراته لكيفية تجاوز تلك المصاعب فإذا غضب الناس وشباب وشابات لجان المقاومة عن عدم إنجازه للمهام خلال تلك الفترة فسيقدروا حرصه على إعلام الناس بالحقيقة. أما النقطة الأهم فهي متصلة بالتأكد من تمثيل لجان المقاومة داخل الجهاز التشريعي بشكل مرضي ومقبول بغرض تمليكهم (آلية دستورية) تتيح لهم الإسهام الدستوري في تحقيق مطالب الثورة والإسهام الفاعل في رسم المستقبل.
يجب على رئيس الوزراء تحسين صورته التي إهتزت لدي الراي العام بأن يتحلى بالوضوح والشفافية والشجاعة لمجابهة حملة الإنتقادات والإتهامات الموجهة لبعض منسوبي مكتبه، لا يمكن اللجوء لخيار الصمت لأنه سيعزز تلك الإتهامات عوضاً عن نفيها أو تفنيدها. سيجد رئيس الوزراء في خاتمة المطاف نفسه في مواجهة تحديات وقرارات صعبة تقتضيها المصلحة العامة بعضها مؤسسي بإعادة توصيف دور مكتبه لوضعه الطبيعي كأداة معينة لرئيس الوزراء، وليس لديه الإختصاص في تصريف أعباء الحكم أو تمتعه بسلطات تنفيذية تجعلها حاكماً عن رئيس الوزراء، بجانب قرارات أخرى شخصية قدر يترتب عليها إتخاذ قرار بإبعاد البعض إذا ما إقتضت الضرورة ذلك متأسياً بالمثل الشعبي (موت ولد ولا خراب بلد).
في تقديري أن السيناريو النموذجي والأفضل للجان المقاومة ولرئيس الوزراء وحتى للبلاد والعباد هو تجنب إنسداد العلاقة بين (اللجان) ورئيس الوزراء وصولها لمرحلة القطيعة وما سيليها من تداعيات وسيناريوهات، لكن نجد أن ما تمتلكه لجان المقاومة لتحقيق هذا السيناريو هو جزء يسير، أما الشق الأكبر لتحقيقه فهو في يد رئيس الوزراء وقراراته التي ستحدد بشكل أساسي المسار الذي ستسير عليها التطورات وصوب أي السيناريوهات ستنتهي.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …