الاحزاب السودانية وادمان الفشل السياسي
د. الهادي عبدالله إدريس أبوضفائر
ثورتنا التي ولدت من عشق حقيقي بين قلبين تحابا في الله، كُتب لها السكينة والراحة بأحرف من نور رفعها جبرائيل مباشرة إلى ملكوت السموات والارض، دون ان يحمل ختم المأذون. فأنتجت مولودة نشأة وتربت في احضان الكنداكات والشفاتة، كانت الروعة في برآءتها، والامل المشرق لاضآءة سنين الضياع والقهر من اناس فاقدين الرحمة والاحساس.
فتاة مدللة، طلباتها مجابة حرية سلامة وعدالة. ودُفع مهرها من دمآء عبدالعظيم واخوانه. في مشهد مهيب شهد له الاعدآء قبل الاصدقآء. كانت تحلم بوطن تكون هي الملكة في بلاطها، رسمت بأنامل من الحب، صور الشهداء، وجسدت معاني الوفاء برسومات تركت آثارها في قلوب الجميع، وإن مسحها العلوج! واجمل ما فيها جمالها التي بهرتنا به من النظرة الاولى، وتسللت إلي دواخلنا من دون أن نشعر بها، عشقناها وتغنينا بها، حرقونا بأسم الدين، كتلونا بأسم الدين، يا شعب اتلم، اوعاك تنجما، لساها ما سقطت، لسه الحكم عسكر، عايزين وطنا الكان سلة غداء الناس، اناشيد واهازيج من شباب وشابات، تكتشف أنه هو الهواء الذي تتنسمه، ثورة لو كتبت بماء البحر واورق الشجر لما اوفيت حقها، ذلك الجمال أغتيل يوم أن تسّيد الاحزاب المشهد.
الطامة الكبرى عندما نسمي الأشيآء بغير مسمياتها، فتصبح كل المعاني مشوهة، فلم يكن التغيير حقيقياً لانه مُزور بمفردات لم تعكس حقيقتها، فجآء تعيين الولاة كزواج القاصرة غصباً لابن عمها دون رضاها وهي تبكي وتصرخ دون جدوى، فحولت كرهاً إلى زواجاً شرعياً، بورقة لا تساوي الحبر الذي كتب بها، من شخص لا يهمه من الامر غير رسوم الدمغة والاتعاب، فسميت زوراً وبهتاناً بقسيمة زواج، بينما في الحقيقة اغتصاب باسم الشرعية، لذا نجد كثيراً من البيوت عبارة عن مقابر زوجية وليست حياة زوجية، فالتعيين عن طريقة المحاصصة، لم يكن احسن حالاً، من زواج القاصرات بقسيمة الاحزاب، تُقدم عند استقبال الفنادق ليسمح لهم بدخول الغرف المظلمة لممارسة الاغتصاب بأسم الزواج، بورقة مزيفة للإرادة لا تمثل رضا الاطراف، وتحلل الزواج بين اناس لا تجتمع قلوبهم على محبة ورضا، بل جمعت الاجساداً قهراً.
فالقلوب التي لا يوحدها الحب لا يمكن ان توحدها القسايم، الشيء الذي جعل النبي صلي الله عليه وسلم يقبل إنفصال زواج زينب بنت جيش من زيد بن الحارثة رغم حرصه على ذلك، لان الزواج تأسس على مبدأ نفي الطبقية والعشيرة والإنفصال تأسس على مبدأ عدم تأليف القلوب، (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم) فالقسيمة وحدها لا تجعل الزواج مستمراً، ولا يغير الواقع، ولا يعطيك حكماً صحيحاً، ما لم يتم على رضا اطراف العقد وتآلف القلوب، فالعقد شريعة المتعاقدين.
على الذين تأسرهم وساوس المفردات لا جوهرها، تجدهم دوماً يحاولون ابراز النقاط الايجابية وتسليط الضوء عليها، واخفاء السلبيات قدر الامكان، حيث اغتيلت فتاة الثوره يوم زفت للاحزاب، والكل يدرك انه لا يمكن لشخصين مختلفين ومتنافرين ان يحققا زواجاً اجتماعياً أو سياسياً، وان تم توثيقها بأوراق مأذون وإشهار وشهود، وبما أن للزواج اسمه الذي يحقق ذاته وغايته وتحدد أحكامه، فلا يمكن ان يتحقق بدون رضآء الأطراف، فتعيين نسآءٍ لولايات يقال أنها ليست بها مشاكل، هذا يعني عدم الاعتراف بأمكانيات النسآء، ومساواتهن بالرجال في الادارة وتحقيق المسؤولية، فالمسألة ليست اكثر من كونها نفاق سياسي وتأصيل لمبدأ (المرأة إن بقت فأس 🪓 ما بتكسر الرأس)، (مال وحُكم ما كلام مرة ازرقك) فعندما تتورط المفردات بغير وجودها، تحتم الخروج عليها ليست زهداً في المفردة ولكن كرها للنفاق السياسي. ورفضاً لدفع فواتير اخطآء الغير.
لبناء وطن يسع الجميع، لابد من تغيير المفاهيم وعدم الانحياز للأفكار القديمة، كما لم ننحاز اليوم للراديو باعتباره وسيلة للأخبار، بل الانحياز يكون للوسيلة الاسرع والأنفع للمشاهد، فقيام اجسام بديله تلبي طموح الشباب اصبح ضرورة حتمية، وحتى في جسم الانسان بمرور الوقت وجريان العمر، حتى المعدة تشترط، كميات وأنواع محدد من الأطعمة، حتى تسطيع ان تعمل دون تعب أو إرهاق. فهل من العدل ان نطلب الجري بسرعة عالية من شيخ مسن بحجة ان لديه قدمين وساقين، فتغيير الأفكار أصبحت ضرورة لتغيير الواقع وتوجيه المسار في الاتجاه السليم.
الثورة قامت لتغيير المفاهيم وليست لتمجيد اشخاص، فكل سلوك لا يشبه الثورة مرفوض، كما نرفض سلوك العسكر عندما يجبرون الكنداكات والشفاتة ان يقولوا عسكرية كذلك نرفض سلوك بعض الثوار عندما يضربون شخص ويجبرونه علي أن يقول هو كوز! فالعيب هو ان تنه عن خُلقٍ وتأتي بمثله! فالثورة أتت لتحرير العقول والقلوب من ظلم الآخر، فالمحاولات الفاشلة دوماً تهتف هنا طريق مسدود، مثل مجاري الوديان تنبه المياه نحو المسارات الصحيحة.
المفردة إن كان سياسياً أو إجتماعياً، لابد ان يحقق مدلولها، فقتلها لا يحقق الغاية، فاستخدام المفردة دون مدلولها لا يعني الاستقرار، مثله مثل الزواج بدون حب، كالشاي بدون سكر لا يمتلك إلا قتامة اللون ومرارة الطعم. وكذلك السياسة دون حكمة، مثل قطعة من القماش والحكمة تلعب دور التفصيل، فالقماش في متناول جميع الخياطين ولكن الخلاف بينهما في جودة التفصيل.
د. الهادي عبدالله إدريس أبوضفائر
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …