بعثة الأمم المتحدة في السودان.. حسابات وتعقيدات
محمد أبوالفضل :
حمدوك أمام مهمة شائكة.
رئاسة البعثة الأممية، الهادفة إلى مساعدة السودان على الخروج من أزماته، باتت مشكلة عويصة تهدد بانطلاق عمل الهيئة وانتظارات السودانيين لها. ورغم زيارة وفد أممي إلى الخرطوم لحل هذا الخلاف إلى أن الأمور ما تزال تراوح مكانها بسبب التباينات الدولية والمحلية الحادة حول الشخصية المرشحة لهذا المنصب.
يتصور البعض أن رئاسة بعثة الأمم المتحدة في السودان عملية سهلة، وسيتم التوافق عليها سريعا داخليا وخارجيا، لكن المؤشرات الحالية تشير إلى أن هناك أزمة محتدمة حول من سيتولى رئاستها، فالشخصية التي تقود المهمة سوف تلعب دورا مهما في مدى الخروج بهذا البلد من المشكلات التي يعاني منها.
يعبّر الشخص وخلفياته السياسية عن توازنات من نوع جديد آخذة في التصاعد، فلم تعد الكفاءة أو الخبرة السبيل الوحيد لاختيار مبعوثي المنظمة الأممية العريقة، حيث دخلت العديد من العوامل في مسألة تحديد هوية من يشرف على البعثات الأمنية والفنية التي تدير عملية التحول في بلد بحجم السودان مليء بالأزمات المعقدة.
وصل إلى الخرطوم قبل أيام فريق التخطيط للبعثة الأممية الخاصة بمساعدة السودان، وسط ضجيج سياسي يتعلق برئيسها، تجاهله الفريق ليتسنّى له القيام بإعداد الخيارات المناسبة لمرحلة نشر العناصر على الأرض، والمقرر أن تبدأ رسميا يناير المقبل.
تنتهي هذه المرحلة وفقا للوثيقة الدستورية الموقّعة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بعد حوالي 28 شهرا، وربما تستمر أكثر من ذلك، إذا جرى اعتبار بداية المرحلة الانتقالية منذ التوقيع على اتفاق سلام شامل بين الخرطوم والجبهة الثورية، كممثلة لفصائل مسلحة وتنظيمات سياسية في مناطق الهامش، بمعنى أن هذه المرحلة لم تبدأ بعد فعليا، وقد تطول مدتها.
يضم الوفد الأممي الذي يزور السودان خبراء في مجالات التحول السياسي والانتقال الديمقراطي وحقوق الإنسان والمساعدات الفنية لإعداد الدستور والتحضير للانتخابات ودعم عملية السلام، وحشد الموارد الإنمائية والاقتصادية وتقديم الدعم التقني، وحثّ الدول المانحة والمؤسسات الدولية على مساعدة السودان.
أجرى الوفد سلسلة من الاجتماعات مع اللجنة الوطنية الخاصة بالتنسيق في هذا الملف، وتضم عددا من المسؤولين، وشكّلها مجلس السيادة لضبط التعاون ومنع انحراف البعثة عن أهدافها المعلنة، ومتوقع أن يزور الوفد، دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق، وهي مناطق سيكون للبعثة الأممية مكاتب رئيسية فيها.
أثارت هوية رئيس البعثة جدلا صاخبا منذ أن أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع، في أوائل يونيو الماضي، ورقمه 2524، نص على تشكيل بعثة في السودان (يونيتامس)، وطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن يعيّن سريعاً مبعوثاً لرئاستها تحت البند السادس.
اقترح غوتيريش، اسم السفير الفرنسي جان كريستوف بليارد، والذي يتمتع بخبرة كبيرة في الشؤون الأفريقية، وله علاقات وثيقة بالسودان، حيث عمل دبلوماسيا في سفارة بلاده بالخرطوم، ومتزوج من سيدة سودانية لها نشاط سياسي ومجتمعي كبير.
يشغل المرشّح الفرنسي، منصب نائب رئيس قسم العلاقات الخارجية في مفوضية الاتحاد الأوروبي، وقضى فترة رئيسا لإدارة أفريقيا والمحيط الهندي في وزارة الخارجية الفرنسية، ما يجعله أثيرا لرؤية بلاده وحلفائها الأوروبيين.
كما قدم غوتيريش مرشحا ثانيا من دولة جنوب أفريقيا، نيكولاس هايزوم، وهو خبير في الأمم المتحدة، وله خبرة طويلة في بعثاتها السياسية، وقاد مهام في أفغانستان والصومال، لكنْ ثمة شكوك حول نزاهته بعد طرده من الصومال.
أصبحت عملية تعيين مبعوثين أمميين أكثر صعوبة، لأنها تخضع لمساومات وضغوط كبيرة، وسط تشابك العديد من الأزمات الإقليمية مع مصالح بعض القوى الكبرى، وليس بالضرورة أن يكون التشابك مباشرا أو من قبيل الحصول على مكاسب عاجلة، فتكفي رغبة دولة كبرى في حرمان أخرى من هذه الميزة كي يتعثر التعيين، ويواجه مشكلات تضاعف من تخطي عقباته الظاهرة.
لعل الخلاف الدائر بشأن اختيار مبعوث أممي جديد يرأس بعثة الدعم في ليبيا، عقب استقالة رئيسها غسان سلامة منذ حوالي خمسة أشهر، يكشف إلى أيّ درجة أن هذا المنصب دخل دائرة المناورات، من واقع الدور المؤثر الذي يقوم به صاحبه في تحديد سياقات الأزمة التي يتولى إدارتها، وما تحمله انتماءاته من انعكاسات على التطورات، فقد أدى ميل سلامة للفريق التابع لحكومة الوفاق في طرابلس إلى فشله في أداء مهمته، وعندما تخلى عن منصبه ظلت التهمة العالقة به هي انحيازه للتيار الإسلامي.
تركت التجربة السلبية للمبعوث الأممي إلى ليبيا مرارات لدى بعض القوى الإقليمية والدولية، ما أفضى إلى تفسير التأخير الحاصل في اختيار البديل، بعكس المبعوثين الخمسة الذين سبق تعيينهم في ليبيا، حيث كانت المهمة أسهل وتتم عبر تفاهمات كبيرة.
أخذت شخصية المبعوث الأممي تضفي بريقها أو خفوتها على الأزمات المفتوحة في مجالات مختلفة مؤخرا، ولم يحالف عدد كبير ممن شغلوا هذا المنصب النجاح، حيث تحتاج العملية إلى توافق بين القوى الكبرى، والدولة المعنية، عند التعيين وما يليه من توجهات ومهام على الأرض، عندما يكون النظام السياسي منهارا، مثل ليبيا واليمن، أو مغضوبا عليه، مثل سوريا حاليا والعراق سابقا.
وفي حالة السودان، هناك نظام حاكم به قدر من التماسك السياسي، من الواجب مشاركته في اختيار المبعوث الجديد ليتمكن من أداء مهمته، فإذا لم يكن الاختيار بالتفاهم مع الخرطوم سوف تواجه البعثة مشكلات مضاعفة، ويمكن الحكم مبكرا عليها بالفشل، لأنها لن تجد تعاونا حقيقيا من السلطة الحاكمة.
تسعى فرنسا لترجيح كفة بليارد، واستمالة الخرطوم وبعض القوى الدولية لدعم هذا الاختيار، غير أن الرجل لا يحظى بترحيب كل من روسيا والصين وأبديتا اعتراضات واضحة عليه، وتحاولان تفشيل الخطوة بسبب ما يوصف بـ”القلق” من التمثيل، حيث يأتي من دولة بعيدة جغرافيا، ويحمل تضاربا في المصالح كمتزوّج من سودانية، ما أدى إلى تأجيل البت في تحديد اسم رئيس البعثة.
بين الحكومة والمعارضة
مرحلة انتقالية في السودان تواجه تحديات جمة
يميل رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك، إلى جانب المرشح الفرنسي، والذي تربطه به علاقة شخصية جيدة، كما يحظى بتقدير الرئيس إيمانويل ماكرون، وقد يكون أكثر قدرة على جذب المزيد من التمويل المادي من دول الاتحاد الأوروبي، لأن السودان في حاجة إلى المزيد من الدعم الاقتصادي في هذه المرحلة الحرجة.
يؤيد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، مرشح جنوب أفريقيا، باعتباره من أبناء القارة، وله باع طويل في أزماتها، كما أن دولته تشغل رئاسة الاتحاد الأفريقي في الدورة الحالية، ما يساعد على تطوير علاقات الخرطوم بهذه المؤسسة التي أسهمت بدور كبير في توقيع الوثيقة الدستورية.
ومع أن التجاذبات حول اسم الشخصية التي تتولى رئاسة بعثة الأمم المتحدة دخلت مجالا واسعا، فإن الحكومة تحرص على عدم تأثير التعيين على التحضيرات التي تقوم بها البعثة حاليا تمهيدا لانتشارها فعليا، حيث يمارس وفد الخبراء دوره بحرية تامة الآن ليكون مطّلعا على كامل التفاصيل.
عندما لجأت الحكومة السودانية إلى مجلس الأمن لتعيين بعثة سياسية، كانت تدرك أن المرحلة الانتقالية تواجه تحديات جمة، وتريد أن تعبرها دون الصدام مع المكوّن العسكري، فرأت أن هذا الطريق يمثل وسيلة جيدة لتجاوز المطبات التي يمكن أن تعترضها، وكانت تتصور أن المهمة سوف تمرّ بيسر، خاصة أن المكون المدني في الحكومة يعمل على إبعاد البلاد عن هيمنة المؤسسة العسكرية.
لم يعتقد حمدوك، الذي سعى بنفسه إلى إدخال الأمم المتحدة كطرف مباشر في إدارة المرحلة الانتقالية، أن يكون اختيار رئيس للبعثة معضلة كبيرة أو يصبح محل منافسة بين القوى الكبرى، ما ينذر بأن المهمة برمّتها يمكن أن تواجه مشكلات.
تنقسم القوى السياسية في السودان بين المرشحين الدوليين، وهي التي يمكن أن تلعب دورا في ترجيح كفة أحدهما، لأن الفروقات طفيفة، والتركيز ينصبّ على من يضمن للسودان تخطي المرحلة الانتقالية بسلام، وتأسيس نظام مدني ديمقراطي. إذا كان تحديد هوية رئيس البعثة الأممية يمر بهذه المطبات، فالمهمة نفسها قد تتعرض لأزمات أكبر، وتخضع لمزيد من التسييس من جانب جهات معينة، الأمر الذي يقلل من فرص أداء البعثة لدورها في هدوء، وبدلا من أن تصبح خارطة الطريق التي يسير عليها المبعوث واضحة تزداد غموضا، ويعيد السودان تكرار نماذج أممية فاشلة. ولذلك فالاختيار وطريقته وشخصية المبعوث من العوامل التي تسهم سلبا أو إيجابا في جلب الأمن والاستقرار للسودان.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …