حيث لا يجوز الكلام عن افتقاد الطعام!
الطيب بشير
بقينا بلا فطور حتى انتصف نهار الشتاء والدنيا آخر شهر! الكاشير بتاع كافتيريا التلفزيون زول جديد (لم نروّضه بالديون بعد) … وكلما حضر أنيق من الأصحاب تهللنا لمقدمه ثم ما يلبث أن يزيدنا خُبالا وينضم لمجموعة الجوعى حتى صرنا أحد عشر كوكباً…. أجاءنا الحديث لأيام الفلس وذكريات الجوع، واحد قال في الجامعة فطرنا تلاتة طلبة بي ساندويتش طعمية بايت … أنا قلت ليهم في المجمع اتغديت بي شاي الصباح بارد بي قرقوش باقي عشاء مُزمن…. واحد قال في الداخلية إصطاد (ود أبرق) دخل غرفته فـغلـّـق الأبواب وقال له هيت لك … شواه في الهيتر بتاع الشاي … كان زميلنا الصامت يسخر من (مجازفاتا) ويصف فقرنا بالرفاهية …قال إنه كان يستيقظ مع صوت خروج البهائم للمرعى … ولو تأخر في النوم تأتيه لكزة غاضبة من والده …. فينهض وتفاصيل الحلم لا تزال تداعب جفونه …. يمشي خلف البهائم حافياً جائعاً حتى تصل المرعى …. يشرب من حليبها طوال النهار، بلا خبز ولا (كـُـشنة) وعند عودته في المساء جائعاً (ثاوياً) يواجه التقليد الذي يمنعه من سؤال أمه وأخواته إن كانوا قد طبخوا أم لا، لأن الطبخ وإيقاد النار ليس شأناً يومياً!! فتتلخص الحيلة في الذهاب لخلف البيوت حيث يتم دفن النار … يطأُ الصبيُ الرمادَ مباشرةً، فليس ثمة حذاء ليخلعه، فإن لسعه دفءُ (الهبود) يبشر بالخير ويقفز من الفرح …. وإذا وجده بارداً مثل الجو من حوله تجري دموعه من الإحباط والجوع وتصطرع كل هذه المشاعر داخل روح الصبي، حيث لا يجوز (للرجل) الكلام عن افتقاد الطعام!
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …