‫الرئيسية‬ رأي رسالة مفتوحة إلى عضو السيادي التعايشي 2 ..
رأي - أغسطس 19, 2020

رسالة مفتوحة إلى عضو السيادي التعايشي 2 ..

سالم الامين

دعنا نواصل الجزء الثاني من الرسالة من مبتدأ الجزء الأول ، الترجمة الحرفية للجملة التي قالتها الوالدة و انا اعتبرتها لعنا للحكومة : (جدع الله أنف الحكومة ) ، هذه هي أقرب ترجمة لجملة امي بسبب البلل الذي أصاب فحمها الذي تستخدمه لانعدام الغاز ، جملة (الله إيتو كيني ما) تقولها الأمهات عندما تضيق إحداهن من احد أبناءها ، أو من تصرف مشين قام به و أصابها الحنق من هذا التصرف … فالجملة عندهن تفريغا للغضب أكثر من كونها لعنا مقصودا منه اللعن …

عندما تصل هذه التسعينية المعجونة بطين الصبر إلى هذه المرحلة ، حتما فإن الأخريات قد وصلنها باكرا …
كل خوفنا أن نصل مرحلة أن يحن الناس إلى ديكتاتورية الإنقاذ ، و هذا لا يتم إلا عبر مراحل أولها الضجر من الوضع الحالي ، و نحن الآن في العتبة الأولى ، فإن سارت الأمور كما هي عليه الآن ولم نتداركها ، فإننا سنصل إلى مرحلة (لو شالها كلب مافي زول بقول ليه جر) كما قيل في آخر ديمقراطية قبل الإنقاذ …

المعادلة صعبة بين مواجهة التركة الثقيلة التي خلفها النظام السابق و بين حاجات البسطاء الأساسية من غاز و خبز و وقود ، فهم لا يفهمون أعذار الساسة و خططهم ، كل مايهمهم هو توفير هذه الأساسيات و أن تكون في متناول اليد ، لكن للأسف لم نرى حتى الخطط المنمقة هذه .

انتظرنا كثيرا ان نسمع منكم خطة لعلاج واحدة من أزماتنا المتطاولة، و حالكم و حال كل النشطاء الذين استوزروا بعد الثورة كحال أخت هارون يوم نذرت للرحمن صوما …
هذا الصمت المطبق و الاختفاء الاختياري من الجماهير يجعلنا نعيد حساباتنا و تقديراتنا في كل ما ننشره و نعتقد أنه يحدث تغيير ، فالآن بدأت تتبين لنا الخطوط في الفرق بين التنظير و التطبيق ، سهولة التنظير تواجهه تعقيدات كبيرة على أرض الواقع تحيط به الكثير من اللوائح و القوانيين وصعوبة التعامل مع الموظفين و المواطنيين .
قبل فترة أطلقت تصريحك بأنه سيتم تحقيق السلام بعد 72 ساعة فقط احتفل البعض بذاك التصريح ،وأنا واحد ممن قارن تصريحكم و تماطل مفاوضوا الإنقاذ التي تستمر جلساتهم لشهور و سنين ، لكنكم وجدتم المفاوضات و القضايا مختلفة تماما عما هو متوقع فتتطاول الأمد ولا زلنا ننتظر سلام شامل يحقق الأمن و الرفاه ، و ابتلعنا مقارنتنا ، التنظير شئ و الواقع مختلف عما نظن ..
كنا نسخر باستمرار على موقف للبشير و هو يشتكي في لقاء تلفزيوني من البروقراطية و البطئ في أروقة الاستثمار مما جعله طاردا للمستثمرين ، كنا نستغرب من رئيس جمهورية يشتكي موظفيه في أجهزة الإعلام !!. لكنني اليوم أستطيع أن أتفهم ذلك عندما أجد عشرة أشخاص مدنيين و عسكريين بكامل مكاتبهم يقومون بمهام رئاسة الجمهورية … الآن أستطيع أن أتفهم بعض أخطاء النظام
أزمتنا الاقتصادية مربوطة سياميا بالسياسية ، و أزمتنا السياسية ليست وليدة اليوم إنما هي صراع طويل على كرسي السلطة منذ فترة الممالك و السلطنات حتى اليوم …

لم يحدث أن توافق السودانيين على نظام حكم واحد ، إنما مجموعة تسطوا على السلطة فتفرض سيطرتها و تقصي الأخرى إبعادا و تنكيلا ، و أحيانا قتلا و سحلا … إن لم نكسر هذه الحلقة الشيطانية فلن تستقر بلادنا ولن ننعم بخيراتها .
الشارع الآن ينشر خطاب كراهية مبالغ فيه تجاه الإسلاميين ، و هذا الخطاب الأقصائي آثاره كارثية و مدمرة للعملية السياسية بأكملها ، يجب إيقافه فورا و إعادة النظر إلى الحلول المفضية للاستقرار بعيدا عن الهتافات العاطفية ، قراءة فترة الإنقاذ بعين فاحصة و ناقدة يوضح لنا بأن البؤس الذي نعيشه اليوم ما هو إلا نتيجة طبيعية للإقصاء الذي مارسه النظام السابق ضد المكونات السياسية الأخرى ، و النظام السابق لم يأتي من العدم إنما خرج من صلب عمليتنا السياسية المأزومة.

الأن يجب أن نمتلك الشجاعة الكافية لنعترف بأن الإنقاذ مولود مشوه لعملية سياسية معطوبة ، و أننا الآن نسير في نفس الطريق بعلم منا أو بجهل …
المصالحة و التسوية السياسية الشاملة ، و وضع أسس جديدة لحكم البلاد هي المخرج الوحيد من عنق الزجاجة التي نحن بداخلها اليوم .
نحن الآن في مفترق طرق، معظمها يقودنا إلى الخراب و قليل منها يخرجنا إلى بر الأمان ، و التمييز بينها لن يتسنى إلا للحكماء . و المؤسف أن حكماءنا يكونون غير ذلك عندما يعتلون سدة الحكم ، فإن راجعت الصحافة السودانية منذ الاستقلال و حتى اليوم ستجد جملة : ( نحن في مفترق الطرق ) جملة حاضرة في كل الحكومات و الأنظمة المختلفة ، تتغير و تتبدل من ديكتاتورية قاهرة إلى ديمقراطية عرجاء، لكن تظل الجملة حاضرة نحن في مفترق الطرق … !!! …
يجب أن نسأل أنفسنا أسئلة موضوعية عن سبب بقائنا في نفس النقطة ، نقطة مفترق الطرق لأكثر من ستين عاما ؟ !! … مهما تعددت الإجابات على هذا السؤال إلا أننا لا نتجاوز ابدا عطب احزابنا السياسية التي تأسس الكثير منها على أسس غير منهجية ، و في واقع مختلف عما نحن عليه اليوم …
الأمر بيدكم اليوم و انتم أعلى سلطة في البلد لأحداث تغيير حقيقي في بنية الحكم و طرح تسوية سياسية مقبولة لدى معظم السودانيين .
القدر هو الذي صعد بكم الى هذه المناصب ، و قد ساهمنا نحن رواد الوسائط بصورة أو بأخرى في الدفع و الضغط لاختيار بعضكم . لكن تبقى الحقيقة الأمثلة أن المواطن البسيط لا يعرف الكثيرين منكم، و ليس بعيد منكم كلام ذاك العجوز في زيارتكم لدارفور الذي لا زال يعتقد أن الرئيس هو البشير . فذاك العجوز مثال حي لما قلته أعلاه بأن كثير من البسطاء لا يعرفونكم و من يعرف لا يحس بأي تغيير بين عهد البشير و العهد الجديد …
الفرصة أمامكم لتنقشوا أسماءكم في نفوس هؤلاء البسطاء بطرح التسوية التي أشرت اليها مسبقا مع كل المكونات السياسية بما فيها الإسلاميين ، يتم ذلك بعد إدانة و معاقبة كل من ( ثبتت) إدانته …
هذا السودان كبير و متنوع و يحتاج إلى عقول و أيدي كل أبناءه في عملية البناء و التنمية المرجوة ، فإقصاء أي مكون سيكون معيقا و هداما، و هذا يحتاج إلى الكثير من الحكمة بعيدا عن هتافات أصحاب المصالح …
القدر أعطاكم الفرصة الآن لتمثلوا هذه الحكمة و تنقشوا أسماءكم على عتبات تاريخنا الحديث ، أو أن تكرروا أخطاء من سبقكم من السياسيين فيطوييكم النسيان غير ماسوفا عليكم . فكل ما أذكركم به الآن أن هذه الفرصة لن تتكرر لكم ابدا و من الصعوبة بمقدار أن تعودوا إلى هذه المناصب مرة أخرى في حالة فشلكم ، و أهل السودان يصفون مثل هذه الأحداث بصدق في أمثالهم ، فقد قالوا : أم جركم ما بتأكل خريفين ..
نواصل ….

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …