ليس بالدولار وحده تحيا الثورة
فتحي الضَّو :
قدم سبعة من مسؤولي الحكومة الانتقالية والذين يمثلون لجنة الطوارئ الاقتصادية، تنويراً إعلامياً يوم الخميس الماضي 10/9/2020م عبر منبر وكالة السودان للأنباء (سونا) بينهم ثلاثة وزراء، وثلاثة مدراء إلى جانب محافظ بنك السودان والمسؤول الثاني لقوات الدعم السريع، حيث أدلوا برؤاهم حول الأزمة الاقتصادية، لا سيما، ارتفاع الدولار في السوق الموازي بدرجة بات يهدد فيها العملة الوطنية بالانهيار الكامل. اتسم حديث ممثلو القوات النظامية (الشرطة والجمارك والدعم السريع) بالتهديد والوعيد لكل من تسول له نفسه التلاعب بقوت الشعب، وهو حديث سوف يوضع على طاولة الاختبار. أما وزيرة المالية المكلفة ومحافظ بنك السودان فلم يقولا شيئاً ذي بال، أي ذات اللغة الخشبية التي لا يفقه عامة الناس من طلاسمها حرفاً.
بيد أن اللافت للنظر ما تلاه وزير العدل نصر الدين عبد الباري من قرارات ذات نفس ثوري يشع العافية في البدن العليل. انطوت القرارات على عقوبات مشددة، قفزت ببعضها إلى الحكم بعشر سنوات سجناً عوضاً عن الحكم بالسجن شهراً، إضافة للعقوبات المالية والمصادرات. وهي خطوة طال انتظارها، ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً. وعلى نفس النمط لفت وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي ياسم الحكومة فيصل محمد صالح الأنظار بحديث لم يألف الناس لغته من قبل. بل يمكن القول إنه عكس ما اعتادوه عنه. إذ سمى الأشياء للمرة الأولى بمسمياتها الواقعية.
قال إن الأزمة الاقتصادية الحالية بعضها مصنوع، وهي جزء من معركة طويلة جداً تخوضها مجموعات تضررت من ذهاب النظام البائد. وقال أيضاً إن أعداء الثورة يستخدمون الاقتصاد كأحد الآليات لمحاربتها، وأشار إلى أن المشاكل التي ظهرت في الأيام الماضية لم يكن مردها الاقتصاد، ووصف ما يحدث بأنه حرب معلنة وعملية تخريب ممنهجة ضد الثورة والحكومة، وأعلن دون مواربة أن الحكومة قررت خوض المعركة ضد المتاجرين بقوت الشعب والمخربين للاقتصاد، وعلى هذا المنوال مضى في تجسيم صورة الواقع بحديث تطاير منه الشرر.
إنها الحرب إذن، ليست حرب الرجرجة والدهماء التي تنهمر فيها الدماء أنهاراً، وإنما الحرب النبيلة التي قال عنها الجنرال الألماني الشهير كارل فون كلاوزفينتر (الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى) هي الحرب التي استدعت معركة سلمية فاصلة تستكمل مهام الثورة، خاصة وأن السلمية نفسها تضرجت بدماء شهداء. ويبدو أن ارتفاع الدولار قد أيقظ الحكومة من سباتها العميق. فاستنفرت أجهزتها وعقدت اجتماعاتها وخرجت للناس بتلك القرارات التي تنضح ثورةً. لكن نذكِّر أن الحلول كلٌ لا يتجزأ، إذ ينبغي أن تشمل كل شيء، وليس الدولار وحده!
طوال عام ونيف تاق الناس لمثل هذه الغضبة المُضرية حتى يعود للثورة رونقها وبريقها الذي كاد أن يذبل. فثمة من يتاجرون بالحريات الإعلامية بصورة أسوأ من سماسرة الدولار نفسه، وهناك من يعبث بالأمن بدرجة تتقاصر معها حرب عبابثة الدولار، وأيضاً هناك من استباح الحرمات وراح يكيد للثورة كيداً، مرةً بنسج المؤامرات وأخرى بالترويج لها، وقد اتخذوا من وسائل الإعلام منصة لنشر تلك الأكاذيب، والتي بلغت درجةً أشاعت الإحباط وكادت أن تطفئ جذوة الثورة في النفوس.
فالحرب الخفية التي تحدث عنها وزير الإعلام، هي عين الحرب التي طالما أنذر من مغبتها الحادبون. وطالما أن وزير الإعلام أيقن أن المشاكل التي ظهرت لم يكن مردها اقتصادياً، وأقر بأن هناك أعداء للثورة فعندئذٍ سيُسأل وصحبه الميامين عن الأدواء والدواء. سينتظر الرأي العام منه شخصياً قرارات مماثلة بذات الروح التي صدحت بها قرارات حماية الاقتصاد الوطني. ذلك لأن حرب الإعلام أشد ضراوة من حرب الدولار. وكلنا يعلم أن حرب الدولار لن تخبو نيرانها إن لم تُخمد نيران حرب الإعلام. فهي الكفيلة ليس باستقرار الدولار وحده، وإنما باستقرار البلاد كلها وحماية الحريات التي انتجتها الثورة جُلها.
ولأن الأبالسة يحبون المال حباً جماً، فقد أوهموا الناس بأن هذه الثورة بُطينية الملمح كما ظللنا نردد، أي أن الدولار غاية همُها، دحضاً لما وقر في نفوس الناس من أنها ثورة وعي يُرجى منها أن تغير وجه السودان الكالح، وإصلاح ما أفسدوه وحطموه من قيم ومُثل وأخلاق. فلو كان الناس يعيشون بالدولار وحده، لكانت كوبا في عداد الدول المنقرضة، فبغض النظر عن الأيدولوجيا فقد ضربوا مثلاً يُحتذى في الصمود على مدى أكثر من نصف قرن من الحصار، تكسرت فيه النصال على النصال، حتى أجبروا الدولة الأعظم إلى لعق الخيبة والفشل ومجانفة سياسة كسر العظام، فليس بالدولار وحده تعيش الثورة، وليس بالدولار وحده تحيا الأوطان!
فيا زميلنا وزير الثقافة والإعلام أنت تعلم أن للثورة لساناً وشفتين ولن يضيرها شيء إن أصبحت لها أضراس وأنياب تحمي بها نفسها من تغول المتربصين وتجار الدين وآخرون من وراء حجاب!
آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر!
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …