‫الرئيسية‬ رأي أفكار ميتة ترفض الذهاب الِي القبر
رأي - سبتمبر 17, 2020

أفكار ميتة ترفض الذهاب الِي القبر

معتصم اقرع :

هناك مزحة غير بريئة تنصح بـأنك إذا لم تستطع دحض حجة شخص ما ، فلا تيأس ، لأنه ما زال بإمكانك شتمه والتدقيق في نسبه.

في السياق السوداني, إضافة الِي ذلك, إذا لم تستطع تفنيد راي يمكنك أيضًا أن تطلب من قائله اقتراح بدائل أو ان يصمت. وهذا بالطبع من سقم المنطق وموات العقل.
إذا كانت قافلة تسير بحثًا عن الماء ، وأبلغها ذو علم أو خبرة بأنها تسير في الاتجاه الخاطئ لأن العلم أو تجربة رحلات الآخرين اثبتت ان ذاك الطريق ليس باخره ماء ، فسيكون من البلاهة الرد بأن الرجل مخطئ لأنه لم يطلع القافلة على طريق آخر يضمن الماء واكتفي بتنبيهها بأنها على مسار اجدب.

لا يجوز للقافلة التوغل في درب العطش لأن المنبه لم يخبرهم بيقين اين يوجد الماء. تملي الفطرة السليمة أن تتوقف القافلة فورا ، وتدرس خارطة الطريق مرة أخرى لتكتشف طريقًا أفضل مضمون أو علي الأقل احتمالات النجاح فيه أعلى وحقيقية. هذا ما سيفعله أي راشد لن يستمر في رحلة غير مثمرة لأنه يحصل على إجابة كاملة.

تتطور المجتمعات عندما تسود الأفكار الجيدة الذكية ويتم تبنيها من قبل غالبية الشعب فالوعي له أهمية حاسمة في النهوض بالأمم كما ثبت في اليابان وكوريا حيث لا توجد ثروات طبيعية يعتد بها ولكن يوجد انسان واعي. ولمثل ذلك أجاب عبدالخالق محجوب بان الوعي هو اعظم ما قدمه للوطن حين سأله الجلاد قبل إعدامه.

الأوطان تموت عندما تهيمن الأفكار الخاطئة والغشيمة لتصل القافلة الِي ما حذر منه الرسول أبو فاطمة من سنوات خداعات، يُصدَّق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمَن فيها الخائن ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. والرويبضة هو الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.

وتفادي هذا المصير يعني أن النهضة تحتاج إلى فكر ذكي وخلاق لا يهاب خليفة ولا مأمون ، ولكن إذا ملأت الأفكار البلهاء والمتهيبة والمبيوعة الفضاء العام ، فإنها ستلحق أضرارًا مضاعفة لأنها في حد ذاتها مدمرة ، ولأنها أيضًا تطرد الأفكار الجيدة من الفضاء العام.

هذا يعني أن إخراج الأفكار السيئة من التداول الاجتماعي ينطوي على مساهمة أساسية في النهوض القومي حتى لو كان الشخص الذي يقبر الأفكار العبيطة لا يقترح بدائل صريحة. وتنظيف الفضاء العام من الأفكار السيئة أكثر أهمية لصحة الجسد الوطني من الحفاظ على نقاء الشوارع من القمامة. إذا أضاف الناقد الذي صرع المفاهيم النقيصة أفكارًا بديلة سيكون ذلك رائعًا وان لم يفعل، يكون قد قدم مساهمة أساسية لتخليص الأمة من الأوهام المؤذية والقمامات الفكرية. لا يحتاج أحد ان يملك علاجا شافيا للكورونا لينبهك لخطأ الذهاب إلى الشيبوكش بحثا عن الشفاء منها.

واجب المثقف هو تحفيز التفكير ومساءلة المسلمات الجامدة أو كما قال تشومسكي واجبه قول الحقيقة وفضح الأكاذيب ولم يقل بتقديم بدائل لان اجتراح البديل واجب الجميع. وعلي نفس المنوال قال عظيم افريقيا شينوا اشيبي بأن الكتاب لا يمنحون روشتات وإنهم فقط يسببون الصداع وهو علي ما ذهب اليه ادوارد سعيد من ان واجب المثقف هو تعكير صفو السلطة بمعناها الواسع. أو كما قال غيرهم ان واجب الكتابة هو مواساة المفجوعين وتعكير مزاج المرتاحين.

لكن حشود “ما هو بديلك الذي تقدمه” ليسوا فقط حزمة من محدودي السقف الفكري. في معظم الأحيان هم أشخاص يكرهون الحجة لمصلحة ما أو لأسباب عاطفية أو مذهبية أو نفسية لكنهم لا يستطيعون مواجهتها بمنطق أفضل منها ومعرفة أعمق ، ثم لا يبقى لهم مثقال ذرة أو شروي نقير غير تشتيت الكورة وتحويل الحوار من الفكرة المطروحة الِي هلاميات اخري.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …