‫الرئيسية‬ رأي الشروع في الانتحار بين التحريم والتجريم
رأي - أكتوبر 2, 2020

الشروع في الانتحار بين التحريم والتجريم

نقيب شرطة (م) عمر محمد عثمان

عودة مرة أخري للجدل القانوني الذي خلفته محاولة شاب الإنتحار بالصعود الي اسلاك الكهرباء العامة … فقد هاجم الكثيرين وبقوة فكرة أن يكون هناك تشريع ومادة في القانون السوداني تعاقب من يشرع في الإنتحار واعتبرها البعض تخلف تشريعي واطلق البعض هجومهم من منصات سياسية تري أن هذا التشريع لابد وأنه من صنع الإنقاذ ورأي أخرون بإن هذا التشريع ربما مرده الي فكرة إسلامية تجرم الإنتحار وبالتالي تمتد أثار ذلك التجريم الي الشروع فيه. لكن الشاهد في الموضوع أن تجريم الشروع في الإنتحار فكرة تشريعية قديمة جداً ليس في السودان فحسب بل حتي في الدول الأوربية والتي كانت والي ما قبل الثورة الفرنسية لا تجرم الشروع في الانتحار فحسب بل حتي الإنتحار نفسه كان مجرماً وعقابه مصادرة أموال المنتحر.
الثورة التشريعية التي اعقبت الثورة الفرنسية دفعت بالكثير من التشريعات الأوربية الي التوقف عن تجريم الإنتحار والإبقاء علي تجريم الشروع فيه وهو ما آخذ به المشرع الأنجليزي عندما وضع قانون عقوبات السودان لسنة 1925م الصادر بأمر الحاكم العام الانجليزي وقتها حيث جرم الشروع في الإنتحار في المادة (261) منه. وظل الحال كما هو عليه واحتفظت المادة المجرمة للشروع في الإنتحار بنفس رقمها (261) في قوانين العقوبات التالية 1974م و 1983م وعدل الرقم الي (133) في القانون الجنائي الحالي لسنة 1991م.
أنا شخصياً من أنصار الرأي الذي يقول بأن من يشرع في الانتحار هو إنسان فاقد للأمل يائس من الحياة لأي سبباً كان، سواء كان ضغوطاً اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية، فليس من الحكمة أو المنطق معاقبته على يأسه بما يزيد منه، بل علينا مساعدته، فمن يعدّ الموت وسيلة نجاة لا فائدة من معاقبته بعقوبة أخرى.
والخلط بين التحريم والتجريم كما يقول أستاذنا/نبيل أديب المحامي (إوقع المشرع السوداني في كثير من المطبات التشريعية) وأقول أن ليس كل مُحرم هو بالضرورة ان يكون مُجرم فمثلا الإمتناع عن الصوم دون عذر حرام شرعاً لكن لا يشكل جريمة بموجب القانون صحيح ان حفظ النفس هو أحدي الغايات الخمسة التي تقوم الشريعة الإسلامية علي حفظها والإهتمام بها لكن في تقديري أن تجريم الشروع في الإنتحار يحتاج الي فقه جديد ويحتاج هذا الأمر الي صبر وحراك مجتمعي وعلمي من اهل العلم الديني والطبي والاجتماعي فحتي الدول الاوربية ومنها انجلترا ظلت تعاقب علي الشروع في الإنتحار حتي العام 1961م أي قبل أقل من ستين عام بل ان كل المسائل المتعلقة بحياة الإنسان وحقه في إنهائها مثل الشروع في الإنتحار و الموت الرحيم والإجهاض هي مسائل مثيرة للجدل والإنقسام الشديد في اوروبا وأمريكا وكثير من دول العالم بالتالي السودان ليس نشاذاً في هذا الأمر وادعوا من جانبي كل المهتمين والمختصين وكل الساخطين والناقمين علي وجود هذه المادة المُجرمة للشروع في الإنتحار الي الكف عن لعن الظلام وإيقاد شمعة من البحوث والدراسات والمقالات والإحصائيات وإستبيانات الرأي علها تحدث بعد ذلك أمراً.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …