‫الرئيسية‬ رأي المتنبي والانسلاخ المتوهم عن الهوية
رأي - أكتوبر 20, 2020

المتنبي والانسلاخ المتوهم عن الهوية

علي التلوبي :

يقال أن المتنبيء صادف مرة “ابن جنّي” الضليع بالشعر واللغة بينما هو يشرح شعر المتنبيء لبعض القوم. فلما سمع المتنبيء شرحه قال: “ابن جنّي أعلم بشعري مني”.
ويقال أن ابن جنّي المحب لشعر المتنبيء كان في مجلس شعر عند سيف الدولة بن حمدان، فطعن سيف الدولة ومن والاه في المتنبيء وشعره. فما كان من بن جني إلا أن قال: يكفي المتنبيء أنه قال ” لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ *** أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منكِ أواهِلُ”. فأمر سيف الدولة بجلد بن جني.
فسأل سيف الدولة بعض من حوله: لماذا أمرت بجلد بن جنّي؟ فرد سيف الدولة: إن بن جني جاء بمطلع القصيدة ولكنه قصد بيتا آخر في القصيدة يقول فيها ” وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ *** فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ “. وسيف الدولة مع كونه سياسيا فقد كان ضليعا بالشعر.
ومع طرافة القصة، وتبيانها للثراء الأدبي آنذاك، فيجب أيضا أن نعلق على جبروت الحكام في ذلك الزمان الذي كان يمكن فيه للحاكم أن يأمر بجلد أحدهم بسبب تعبيره عن رأيه.
كما ولا يفوتني أن مطلع القصيدة فعلا هو ما قد يكون بن جنّي حقا قد عناه. فهو لا شك مطلعٌ عبقري.
ورغم امتياز شعر المتنبيء، إلا أنه لا يفوتنا أيضا أن نشجب عنصريته التي صاغها في عدة أبيات، منها ذمه لأبي المسك كافور الإخشيدي، بعديد من الأبيات السمجة منها:
العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ *** لَوْ أنّهُ في ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ *** إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ
وأيضا:
مَنْ عَلّمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَةً *** أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصِّيدُ
أمْ أُذْنُهُ في يَدِ النّخّاسِ دامِيَةً *** أمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بالفِلْسَينِ مَرْدودُ
فكافور رجل عصامي شديد البأس والإرادة ، استطاع بعلو همته وقوة عزيمته أن يصير حاكما على مصر والشام بعد أن كان عبدا رقيقا. وليس ما يعيبه عبوديته مبتدءاً، بل العيب في المجتمع الذي سمح بالعبودية في ذلك الزمان.
وعلى العكس فإن المتنبيء كان يعيش ارتزاقا من مدح الولاة والحكام.
وأعجب أحيانا أننا ندرس أبيات المتنبيء العنصرية بانحياز للمتنبيء رغم عنصريته الفجة. ولا عجب إذ ربما بداخلنا بعضٌ من الانسلاخ المتوهم عن هويتنا، واستذلال لشأننا لأجل هويات أخرى.
بل وحتي في حال أن هويتنا كانت غيرما هي، فإن شجب عنصرية المتنبيء واجب على الجميع بغض النظر عن هويتهم.
ليس هذا البوست لأجل التقليل من شأن شعر المتنبيء. فلا يتوجب أن يكون التقييم حسن مطلق، أو سيء مطلق، ولكن يتوجب التنويه في الحالين، لا سيما في مناهجنا الدراسية.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …