‫الرئيسية‬ رأي تأملات في بيان وزير العدل
رأي - أكتوبر 26, 2020

تأملات في بيان وزير العدل

مريم الصادق :

بالامس تلي في برنامج تلفزيوني كنت اشارك فيه بيان ورد من السيد وزير العدل حول التطبيع.
و قد كان المأمول ممن هو في منصب وزير العدل المسئول -بنص قانون وزارة العدل- على السعي لبسط سيادة حكم القانون وتحقيق العدالة، مراجعة القوانين وإصلاحها لتمثل التعبير الأمثل عن قيم العدالة، و العمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان؛ ان يكون بيانه افادات بموجب مع جاء في قانون الوزارة و الذي حدد مهامه.
و كنت انتظر ان يقدم لنا -نحن السياسيون المتشاكسون حول قضية خلافية في جميع العالم-فتوى قانونية دستورية مهنية و حيادية؛ نحن في اشد الحاجة لها من عدة جوانب في قضية التطبيع المطروحة من حيث الشكل. اما من حيث الموضوع فمكان الافتاء هو التداول السياسي. و هي قضية ظلت مكان اخذ ورد لمختلف الاراء السياسية طيلة فترة ليست بالقصيرة.
و لكن جاء بيان السيد وزير العدل رأيا ذاتيا موغلا في الطرح السياسي من وجهة النظر التي يتبناها، مقللا من شأن الطرح المخالف للتطبيع و دوافعه و مرجعيات من يتبنوا وجهة النظر المخالفة لرأي الوزير. و معلنا انهم مجموعة مهيمنة تاريخيا و لا علاقة لهم بمصلحة الشعب السوداني المتنوع. و ان الحكومة المسنودة من العسكريين و المدنيين، و رئيس وزرائها صاحب التأييد غير المسبوق في تاريخ السودان هم الادرى -دون سواهم فهم من المؤدلجين و القوميين- بمصلحة الشعب. و انها حكومة انتقالية بدعا من الحكومات الانتقالية في امتداد العالم لانها -كما اسماها- حكومة تأسيسية و ليست كأي حكومة انتقالية سابقة! كما قرر في موقف سياسي واضح و بعنجهية عهدناها في قيادات العهد البائد؛ اسباب فشل الحكومات الانتقالية السابقة بحسب مفهومه و منطوقه.
ايضا جاء في بيانه تقريرات حاسمة و نهائية تعبر عن رؤية سياسية/ايدلوجية (اتفاق التطبيع—ككل الاتفاقيات الثنائية أو الاتفاقيات ذات الأطراف المتعدد—يجب إجازته من الهيئة التشريعية أو مجلسي الوزراء والسيادة في اجتماع مشترك في حال عدم قيام الهيئة التشريعية عندما يتم التوقيع على اتفاق التطبيع النهائي). و هذا بالتأكيد يتسق مع تقرير آخر تفضل به علينا من منظوره (لا يوجد شيء يسمى “ثوابت الأمة السودانية،” لأنه لم يحدث إجماع رسمي في تاريخ السودان على مبادئ تأسيسية محددة وملزمة. النخب السياسية المهيمنة تاريخياً في هذا البلد تفترض أن ما تؤمن به من مبادئ ينبغي أن يكون ملزماً لكل الشعب السوداني المتباين، وأن من يخالفها في ذلك خائنٌ.).
بالتالي هو اعتبر ان اتفاق التطبيع ككل اتفاقية ثنائية او متعددة الاطراف تقوم باجازته الجمعية التشريعية و ان تعذر تكوينها يجيزها اجتماع المجلسين. و لم يكلف نفسه عناء تفسير وجود قانون مختص بتجريم التواصل مع دولة اسرائيل منذ 1958،. لانه يبدو انه طالما -من منظوره-ان السودان يبدأ بهذه “الحكومة التأسيسية” التي تنطلق من ذاتها دون وجود اي ثوابت لهذه “الأمة” التي لعله لا ماض لها و لا تراث من منظوره؟!
القول بان التاريخ يبدأ من عهد محدد و يشطب ما قبله من عهود سمعنا به من مسئولين في عهود شمولية سابقة، اما اسقاط القوانين السارية -بدون الاجهزة المختصة- لانها لا توافق رأي المسئول المعني؛ فهذا ما لم نسمع به من اي من المسئولين من قبل.
لذا؛ و مع كامل الاحترام لرأي المواطن د. نصر الدين عبد الباري الذي من حقه ان يتخذ ما يشاء من آراء و يتبنى ما يريد من مواقف، فإن ما جاء في بيان السيد نصر الدين عبد الباري وزير العدل مرفوض و مشجوب و يشكل حيثية قوية لاستقالته او اقالته او ان يصدر اعتذرا رسميا عما بدر من انتهاكات؛ افصلها ادناه:
⁃ انتهاك لمهنية موقعه المهم لاستقامة العدالة في السودان و ضرورة التزامه بالرأي القانوني الموضوعي. و عدم اصدار اراء سياسية مختلف عليها من هذا الموقع العدلي الحساس. فالمطلوب ممن هو في موقعه حراسة تحقيق العدالة لكل المواطنين/ات. و هي احدى شعارات ثورة الوعي السلمية.
⁃ انتهاك لوعي الشعب السوداني و اعلان انه لا ثوابت له. فمن المعلوم ان لنا ثوابت اخلاقية و عرفية، و اجتماعية. و حتى ان اختلفنا على الامور السياسية؛ فانه من الثوابت لنا جميعا و نتوافق عليها ما جاء في ديباجة الوثيقة الدستورية و في المادة (٤) عن طبيعة الدولة السودانية.
⁃ انتهاك وقع منه لاصالة مواقف و دوافع و معارف القوى السياسية الوطنية التي ترفض التطبيع مع دولة اسرائيل، لاتخاذه موقف معلن مقلل من دوافعها و هي قوى مسئولة شريكة في الفترة الانتقالية، شكلت الحكومة التي هو وزير فيها مطلوب منه ان يتعامل معها باحترام وطني يقوم على اسس المواطنة المتساوية و حفظ حقوق الانسان التي من مهامه تعزيزها و الحفاظ عليها.
و على صعيد شخصي لم اتوقع بتاتا من شخص في علم و تجربة د. نصر الدين الاكاديمي الناشط الشاب، ان يصدر منه هذا البيان الغير موفق.
و بالله التوفيق.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …