‫الرئيسية‬ رأي مطلوبات الاستفادة من هذه التحولات
رأي - أكتوبر 27, 2020

مطلوبات الاستفادة من هذه التحولات

بكري الجاك :

الخروج من قائمة الارهاب والدخول في منظومة الاقتصاد العالمي: مطلوبات الاستفادة من هذه التحولات
ربما يكون من نافل القول الاشارة الي أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب أمر تاريخي وعظيم ويستحق الاحتفال به كمنجز والاحتفاء بمن سهروا الليالي لجعله ممكنا. الأمر الأهم هو أن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب سوف لن يجعل من دخوله وادماجه في منظومة الأقتصاد العالمي أمرا حتميا و اوتوماتيكا، و بنفس القدر من الخطأ الاعتقاد بأن مجرد الخروج من القائمة السوداء سيعود بالخير الوفير علي البلاد وأهلها واقتصادها. هذا ليس تقليلا من أهمية الحدث وعظم فائدته باي حال، فبدءأ من اليوم سيعرف حملة الجوازات السودانية أهمية هذا القرار في الكيفية التي ستتعامل معهم بها الاجهزة الامنية في مطارات العالم المختلفة اذ يكفي أن لا يتم التعامل معك كارهابي محتمل حتي لو كنت معارضا للاسلام السياسي ولا تؤمن باي دين. الا أنه لتعود هذه الاجرءآت بالفائدة القصوي والممكنة لابد لبلادنا و حكومتها من اجراء اصلاحات جوهرية ووضع خطط طويلة المدي في اربعة قطاعات ساتحدث عنها هنا باختصار شديد علي أمل ان افرد مقال لكل قطاع في قادم الايام. اما اذا اردنا أن يكون هذا الانفتاح تجاه الاقتصاد العالمي يصب في خانة تعزيز ودعم التحول الديمقراطي المرتجي فلابد للحكومة المدنية من أخذ المبادرة في اجراء هذه الاصلاحات و الوعي بأن النتيجة الحتمية لهذه التحولات ستوطد قبضة الشق العسكري في السلطة بجانحيه من جيش ودعم سريع وستوفر لهما فرص لا طائل لها للتوسع الاقتصادي مما يجعل فرص الانتقال الديمقراطي أمر مشروط برضاء وتطلعات الجيش السوداني الذي يمضي الآن بخطي حثيثة لاستنساخ النموذج المصري والدعم السريع الذي في طريقه ليصبح دولة داخل دولة بمنظومات اقتصادية وعسكرية وامتدادات اجتماعية تفوق حجم ما نعلم ونتصور. قيام الحكومة المدنية بهذه الاصلاحات يعني امتلاكها لزمام المبادرة ووضع مسيرة الانتقال في الاتجاه الذي يضمن الحريات العامة و تحقيق السلام وقيام نظام ديمقراطي حقيقي يعبرعن ارادة الشعوب السودانية وليس ديمقراطية متحكم فيها من قبل نخب داخلية توجهها قوي اقليمية ترعي مصالح توازنات دولية لا تضع مصالح السودانيين كأولوية مقدسة. جوهر فكرة الاصلاح في القطاعات المعنية يعود الي أن خلاصة ما يمكن أن تفعله هذه التحولات من الخروج من قائمة الارهاب والاندماج في منظومة الاقتصاد العالمي هي أن تجعل من السودان بلدا جاذبا للاستثمارات الأجنبية وهذا أمر لا يتم بالتمنيات ولا بالمجاملات ولا بالتصورات الساذجة التي يتقول بها بعض المتكلمين في الفضاء العام عن أن بلادنا غنية ونحن ضحايا مطامع دولية وغيره، بل هو محض عملية حسابية تحكمها معادلة يمكن تلخيصها في : كلفة الاستثمار ومعدل العائد علي الاسثمار.
اصلاح الجهاز المصرفي: ولكي تعود هذه التطورات بالفائدة لابد من اجراء اصلاحات ضرورية في الجهاز المصرفي، المعلومات المتوفرة تفيد بأن الفترة من 11 ابريل 2019 و الي حين تشكيل الحكومة المدنية في سبتمبر 2019 اي فترة حكم المجلس العسكري قد شهدت عمليات دقيقة في رسم الخارطة الاقتصادية، القطاع المصرفي ودون الخوض في تفاصيل تسيطر عليه الشركات الأمنية والعسكرية من جهة و الدعم السريع من جهة أخري، ما حدث في بنك ام درمان الوطني يقف كخير مثال علي حجم الفساد الذي تمت ادراته حتي بعد سقوط البشير. أعلم انه تم اتخاذ بعض التدابير من قبل الحكومة الانتقالية لاصلاح الجهاز المصرفي و لا ادري اين هي الآن و لكني أوقن أنه لا يمكن اصلاح الجهاز المصرفي دون اجراء اصلاحات جوهرية في البنك المركزي بدءا باعادة تعريف دورة و التأكيد علي استقلالتيه وتمكينه من لعب دور ريادي في الاشراف علي البنوك التجارية و قيادة السياسة النقدية والمالية من التحكم في الكتلة النقدية وتحديد سعر الفائدة.
اصلاح الاقتصاد الكلي: كثير من الحديث قد تم تداوله حول كيفية اصلاح الاقتصاد السوداني و انا من الموقنين أن الاقتصاد السوداني يعاني من تشوهات هيكلية لا يمكن معالجتها بسياسات آنية عاجلة وجزء من هذه التشوهات أمر يتعلق بطبيعة تطوره علي نسق الاقتصاد الريعي القائم علي معدلات عوائد سريعة من مضاربات في العقارات والذهب و النفط بدلا من عمليات انتاجية تتعاظم فيها فرص المخاطرة، أهم المطلوبات في أمر الاقتصاد الكلي اذا كان للسودان اي فرصة من الاستفادة من هذه التحولات هما أمران: اولها السيطرة ومن ثم التحكم في معدلات التضخم والمحافظة علي معدل تضخم معقول، وثانيهما هو استقرار سعر الصرف. ربما يتطلب الأمر عشرات السنين لاجراء الاصلاحات الهيكلية في الاقتصاد السوداني ولكن اذا اردنا جذب استثمارات اجنبية تحرك عجلة الانتاج وتوفر فرص عمل للشباب وعائدات ضرائب علي الارباح للدولة وصادرات تعود بالعملات الصعبة فلا يوجد مستثمر في هذا العالم يخاطر بالاستثمار في اقتصاد يعاني من تضخم انفجاري و سعر صرف يتأرجح ما بين الصباح و المساء..
المنظومة العدلية و جهاز الدولة: كنت قد ذكرت في مقال سابق قصة رجل الأعمال السوداني الذي ضايقته الانقاذ في بواكير ايامها فخرج الي دولة مجاورة، قانون الاستثمار في تلك الدولة لا يسمح باالاستثمار في قطاعات معينة دون شريك من حملة جنسية الدولة وقد كان أن شارك رجل الاعمال السوداني مواطن من مواطني الدولة المجاورة، لاحقا الشريك قام باختلاس مبالغ ضخمة في شكل منتجات وصلت مبلغ المليون دولار، ثم من بعد قام رجل الاعمال السوداني وشركائه بفتح بلاغ و صدر أمر قبض من النيابة، و لكي يتم انفاذ أمر القبض كان رجل الاعمال يدفع خمسئة دولار شهريا لضابط عظيم في الشرطة الا أن المتهم كان يدفع ايضا وكلما ذهبت الشرطة للقبض عليه يكون قد علم بالامر من ضابط عظم آخر واستمر هذا الحال لسنوات دون جدوي. جوهر الأمر أنه لا يمكن استجلاب رؤوس أموال في غياب منظومة عدلية تضمن حق التملك وحق التقاضي وهذا من المعلوم بداهة لكل ذي معرفة باصول الاستثمارات الخارجية. لا يخفي علي أحد مدي فساد و تشوه وعدم احترافية منظومتنا العدلية ولا يخفي علي احد مدي الفساد الذي طال جهاز الدولة في كل جوانبه، من ناحية فنية تسهيل اجرءآت الاستثمار يتطلب تسهيل المتطلبات وتوحيد قنواتها مثل منصة التعاملات الشاملة بدلا من التعامل مع خمسة وزارات و عشرين مكتب، كما يجب أن يطال الاصلاح كل جوانب الخدمة المدنية من قدرة الدولة علي منح تراخيص الاستثمار الي تحصيل الضرائب علي الارباح و التخلص من الوظائف الوهمية التي كان يستخدمها الكيزان للثراء السريع.
البنية التحتيية و الطاقة: من أبجديات الاستثمار لكل من له اي معرفة باصول International Business أن البنية التحتية من طرق و كباري و شبكات المياه وشبكات الصرف الصحي و الطاقة هي من الاشياء التي تحدد ما اذا كان يجب أن تستثمر شركة ما أموالها في رواندا أو اثيوبيا او السودان علي سبيل المثال، سواء كان الاستثمار في القطاع الزاراعي أو الصناعي فالمنتجات اما ستكون للسوق المحلي أو للتصدير، فاذا كانت المنتجات للسوق المحلي او للتصدير فلابد أن تكون هنالك طرق تمكن من وصول هذه المنتجات للاسواق المحلية أو للموانيء ولابد أن تكون الشاحانت مزودة بثلاجات ( حسب الحاجة) تمكن من وصول المنتج للاسواق او للموانيء بما يتوافق مع شروط الجودة العالمية ولابد أن تكون الموانيء معدة لمواكبة هذه المتطلبات و لكي يحدث ذلك لابد أن يكون الطريق آمن ومتاح ولابد من توفر الطاقة الكهربائية ولابد من توفر الهواء النقي والماء الصالح للشرب والانتاج والبيئة الملائمة للحياة.
باختصار غير مخل هذه هي المطلوبات في قطاعات حيوية تتداخل و تتقاطع في عدة نواحي، واذا كان للحكومة الانتقالية قدرة من الاستفادة من الفرصة الذهبية التي سنحت نتيجة لظروف عدة من بينها اجتهاد الحكومة نفسها فلا بد من تحضير الارضية لتعود هذه التحولات بالفائدة علي البلاد وأهلها، الأهم أن اخذ المبادرة من قبل الحكومة المدنية في هذه المجالات سيسمح بفرص نجاح الانتقال الديمقراطي والا فنحن موعودون بكلوبتوكرسي kleptocracy اي حكومة أقلية من حفنة من نخب عسكرية و مدنية واجرءآت شكلية لممارسة ديمقراطية، هذا طبعا اذا لم ينهار ما تبقي من الدولة السودانية نتيجة لاستعار حدة التناقضات من مطلوبات السلام ومضاعفة حالة توازن الضعف.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …