لجان المقاومة
عمرو عباس
لجان المقاومة (١)
الغابة والاشجار: مركز لدراسات الثورة
سوف تتاح لي فرصة ان انظر لغابة الثورة السودانية من خارج الوطن بدءاً من الغد. لكني من اليوم سوف ابدأ بتناول جدالات الجغرافيا والتاريخ للجان المقاومة.
ككل ثوراتنا ووفاءاً لشفاهيتنا المتأصلة فينا فسوف تتباعد بنا الايام والشهور والسنوات عن تناول ديناميكيات تكوين لجان المقاومة وتطورها ومساراتها ومآلاتها ، كما فعلنا دائما في اكتوبر وابريل. عندما صدر كتاب يوثق لخمسينية اكتوبر ١٩٦٤ اكتشفت كغيري من المساهمين الندرة الشديدة فيما كتب عن نلك الثورة.
تغير الفضاء الثقافي في الالفية ودخلت الساحة اقلام كثيرة متناثرة في تناول الحدث منثورة في اسفيريات متنوعة لكنها لم تفلح بعد في تقديم تحليل متماسك وعلمي لتعريف وتفسير وشرح ما حدث
في ظني ان ثورة ديسمبر لازالت في طور الصناعة ، ولم تحقق ما صبت اليه ولذلك لازال من شاركوا فيها يتناولون تداعياتها واصلاح مساراتها والوصول لمنطقة توازن مفاهيمي.
الثورة مستمرة هذا هو العنوان الذي لم نبارحه قط
اعظم ما تمخضت عنه الثورة هو لجان المقاومة التي تقود او تحاول ان تقود الشارع. ورغم قصر المسافة بين ظهورها والان فسوف نبدأ محاولات تبني انشائها او بنائها او تجييرها لهذا او ذاك.
هذا ماسوف نحاول ان نطرق بابه المشرع ولكن قبل الدخول فانني ارى اننا في حاجة لان تنشيء لجان المقاومة او اي مجموعات منها:
مركز لدراسات الثورة
ليست لكنابة تاريخها فهي في حضن الشوارع لازالت ، لكن لتتحول من الفعل الشفاهي والشعاري والبياني ( وهو مطلوب بشدة وحاجة موضوعية ملحة) لصياغة وعي مفاهيمي موحد الحجل بالرجل مع العمل القاعدي والميداني.
الثورات لاتصنع في الكتب او الدراسات او تحليلات التنظير لكنها ترتبط بنبض الشوارع ومشاركة الشعوب. لكن رغم ذلك تحتاج لبلورة ما وصلت الية في الشوارع في اطارات مفاهيمية تنقل الفعل من نقطة لاخرى وتوسع دائرة المعرفة وتصقلها وتقدم رؤي استراتيجية
بعد اكثر من عامين نحن بحاجة للتفرس مليا في خبراتنا وتنظيم تحركاتنا والوصول لفكر استراتيجي لطرائق العمل والحركة والخطوات المتتالية لتتوحد حول اهداف وقضايا وليست مطالب ، ولتستوعب تنوعها المذهل وتحيط بكل احلامها في رؤى قابلة للتحقيق.
نواصل غدا من البعيد…….
لجان المقاومة (٢)
التكوين والنشأة
اجتمع ثلاث رجال ورابعهم شاب في يوم ٢٣ ديسمبر ٢٠١٨ في احد مقاهي العمارات وتحدثوا عن الحاجة لتكوين تنسيقيات الاحياء من قراءة لسيناريوهات تطور الثورة انها من الاطراف وانها شبابية وان النساء بشاركن بكثافة. وقرروا ان يبدأوا في المساهمة في تكوين اللجان باشكال مختلفة.
لم يكن هذا التفكير جديدا فلجان الاحياء هي سمة ملازمة للسودانيين في احيائهم وحلالهم وفرقانهم. وهي موضع تكاتفهم وصناعة قادتهم وملجأهم عند الشدة.
مع الانقاذ حدث تحول فاللجان اضيفت لها الشعبية ( مأخوذة من التجربة الليبية) واصبحت بجانب الخدمات امتداداً لاجهزة الامن في الاحياء. وغير جانبها الامني فقد اصبحت مركزا للصوصية والسرقة والتزوير الانتخابي وممرا للسماسرة. حلت الحكومة اللجان الشعبية بدون اي مسائلة ولها من الجرائم ملفات وملفات.
ربما يمكن ارجاع قيام اول لجان في عطبرة والقضارف وعبري وبربر اثناء المظاهرات الاولى، لكن تفردت البراري والحاج يوسف بقيام مسمى اللجنة وتحديد افراد بعينهم وقيادات بديلة وهكذا. هذا نفسه ليس مؤكدا ولكنها ملاحظاتي.
لجان المقاومة كونها عشرات الالاف من المشاركين فيها وفي ظني ان لكل لجنة سواء ظلت موجودة او اندثرت قصة تحكى. هذه القصة لن يحكيها سوى من ساهموا فيها وبالذات القلب الثوري.
في بداية المواجهات الأولى تصدى لها نوع مختلف من الثوار. هؤلاء كانت لهم تجارب مواجهات مع السلطة باشكال مختلفة، ربما اعتقلوا وعذبوا في مراحل ما. وبشكل عام تميزوا بالوعي والمسئولية والزهد والوجود في الظلال. هم الذين من وقفاتهم حراساً للتروس وضعوا خطط الهجوم والدفاع وعملوا على زيادة المشاركة ووضع الشعارات، باختصار القلب الثوري النابض.
كجزء من الحشد والتحريض ورفع روح الشعب المعنوية اتخذوا اسماء مثل الاسود والنمور والتماسيح وخلقوا تحالفات الاحياء وحملوا التجارب بينها. استشهد منهم نفر كثير وغاب منهم كثير في بطن النهر ولكنهم ظلوا حتى ٣٠ يونيو ٢٠١٩ وهم من دعوا ونظموا وخرجوا.
مع تكوين الحكومة وظهور طفابيع السياسة وانتهازيي الثورات، اختفوا من الساحة وعادوا للظلال فهم اعداء الاستعراض والتباهي والظهور عند المغانم. ظهروا في بعض المليونيات اللاحقة. لكنهم بشكل عام يوجدون في الخلفية.
هؤلاء من يستطيعون، من واقع نزاهتهم ووعيهم، ان يكتبوا قصة لجان المقاومة في نشأتها وتطورها ويثبتوا الملكية الفكرية للثورة قبل ان يبدأ لصوص الثورات في السطو عليها ونسبتها اليهم، كما حدث ان سطا الكيزان على ثورة اكتوبر ١٩٦٤م.
تكونت لجان المقاومة في الاحياء والمدن الصغرى والقرى كجزء من عملية نضالية كاملة وطويلة (١٩ ديسمبر وحتى ٦ ابريل) كمرحلة اولى. طوال هذه الفترة كانت اللجان اداة قيادة الشعب للصدام مع النظام. وصاغت كل تكتيكاتها المرحلية في ارهاق قوى النظام واجهزته وافراده عن طريق المواجهات المستمرة وتنوعها وتحريكها الدائم واستفزازها واللعب على معنوياتها.
ونواصل
لجان المقاومة (٣)
التكوين والنشأة (٢)
تمتد الفترة الثانية لنشأة لجان المقاومة من ٦ ابريل الى فض الاعتصام صباح ٣ يونيو. بدخول ارتال من المحتجين والغاضبين والثوار لساحة القيادة. عندما وصلت اول الموجات ظهر يوم ٦ ابريل وتلتها جموع وتجمع حوالي مئات الالاف وربما مليون واكثر في الاعتصام، بدأت تحولات لجان المقاومة.
كنت شاهد عيان على الاسبوع الاول حيث بدأ شباب من مختلف الاحياء والاعمار في تنظيم منطقة الاعتصام من توفير الماء ووصلات كهرباء وشواحن من الاعمدة الكهربائية وشراء الخيم ونصبها في الساحة وبعدها المشكلة الكبرى في الحفاظ على النظافة وصحة البيئة وغيرها وغيرها.
بدأت تحولات اللجان منذ اول ساعة في الاعتصام وتحولها بسرعة للجنة ميدانية تعنى بشئون اللوجستيات في ميدان الاعتصام. من يوم ٦ ابريل وحتى ١٢ ابريل واصلت اللجان عملها الثوري والاحتجاجي مختلطاً بالعمل اللوجستي. لاحظ مترددي الاعتصام دقة التنظيم والادارة الجيدة لكل مفاصل الحياة داخل الاعتصام. كان هذا عملا صعباً ودوؤباً وبالتزام شديد. ويعجب المرء ان من نظموا هذه المجموعات (وصل العدد في بعض الايام ٥-٨ مليون مشارك) وصفوا بنقص الخبرة عند التكالب على الوظائف من تكوينات النخب القديمة.
في تنظيمها للمشهد السياسي استجاب تجمع المهنيين السودانيين بتكوين المكونات الخمس واقصى وابعد لجان المقاومة من الفعل العملي والمشاركة في مركز القرار.
رغم صعوبة الاجابة على الاسباب التي دعت التجمع على اتخاذ هذا الموقف- والذي ستدفع ثمنه غاليا مستقبلاً- في ظني ان التجمع اعتبر اللجان مولوده الشرعي وبالتالي فهو يمثلهم ولكن كان هناك بعض من النخبة من يظنون ان اعضاء اللجان “مجموعات صعب السيطرة عليها Mobs”. ولذلك فضلوا ابعاد اللجان سواء من المفاوضات او المكونات او الترشيحات وامتدت لكافة القرارات السياسية من السلام الى التطبيع وربما تمتد لتكوين المجلس التشريعي.
ابعدت اللجان من التاثير على الوضع السياسي وتحولت- كما خطط لها- من اللوجستيات الى تحويل الساحة لمدينة فاضلة والاستعراضات والاحتفالات تاركة الفعل السياسي لمكونات لم تكن امينة في تحمل مسئولياتها الوطنية. سوف يتم استغلال اللجان ليتم استعمالها كذراع طويلة لبعض المكونات وانفار في المسيرات. وفي رايي الخاص كان هذا تدبيرا مقصودا للوصول لتجريد الثوار من قوتهم الحقيقية وهي الترابط القاعدي في الاحياء والمناطق وتذويبهم في ساحة لكل فرد وليست لاحد.
لم يكن فض الاعتصام هدفا في حد ذاته فقد حققت الدولة العميقة كل انتصاراتها في ظل الضجيج اليومي للاعتصام. وربما وهذا -رايي الخاص- ان الاعتصام والذي طال لقرابة الشهرين كان مساعدا لتحقيق اللجنة الامنية لاهدافها. فقد خشي المفاوضين من الجموع ففقدوا الشفافية وكانوا في حاجة لانتصارات سريعة ليقدموها لجموع غاضبة وسقفها عال جداً فقبلوا بما جاد العسكر وعرضوها بشكل مخفف لجموع عديدة متناثرة ومشغولة بتنظيم الساحة للمعتصمين لاتركيز لديها ولادراسات عميقة بل وسط هتافات وعواطف جمة وشعارات واغنيات ايمن ماو المدوية.
عندما تسللت قوى الشر في الصباح الباكر كان قد تم اعداد المشهد بعناية وساهم فيه كثيرون بعلمهم واخرون بدون علمهم. سوف اوقف مواصلة هذا الجزء في انتظار تقرير لجنة التحقيق مهما طال الزمن.
لجان المقاومة (٤)
الطريق ل٣٠ يونيو ٢٠١٩
تنويه مهم
اكتب عن لجان المقاومة ليس كتاريخ ولا للتوثيق لكن للخروج من المسيرة حتى الان بدروس مستفادة في الحاضر والمستقبل. اشجع كل من يكتبون من شباب لجان المقاومة ان يعطوا القليل من وقتهم لهذا العمل. الكاتب قطعا لايعتبر ارائه قاطعة او حتى صحيحة لكنها محاولة وافكار تحتاج لجهود مماثلة.
الفترة بين فض الاعتصام و٣٠ يونيو ٢٠١٩م
في رايي الخاص ان هذه الفترة هي اقسى واصعب الفترات على السودانيين بشكل عام ولجان المقاومة بشكل خاص. وقد كانت المحنة الكبيرة التي من شواظ لهيبها ظهرت لجان المقاومة وتفجرت قدراتها. لقد كانت القدرات النفسية والشخصية الهائلة التي تفجرت في وسط شباب اما عاشوا الجحيم بشكل او اخر او رأوا وسمعوا رفاقهم وهم يساقون للذبح او يجلدون او ببوت على وجوههم، وسمعوا صراخ اخواتهم وهن يسقن للخيام بلا نصير.
صور مفزعة ومخيفة ومدمرة للكرامة والعزة التي اورقت في شرايينهم طوال مايقازب الستة اشهر كانوا فيها اشجع من سار على قدمين. قارعوا اجهزة الامن وهيئة العمليات والكجر ومليشيات الجنجويد ومنتسبي اللجان الشعبية والاعلام المنحط.
لقد كانت ملحمة تعافي شباب الوطن في هذا الزمن قياسياً، فرغم جراحهم الشخصية وكوابيس تعذيب رفاقهم واغتصاب اخواتهم والصدمة التي واجهوها، استطاعوا الخروج من هذا العالم الكافكوي اصحاء وبمشاعر لم تختلط بالثأر وتحويل ثورتهم من السلمية الى مسارب العنف والفوضى.
إن وردن بجيك في أول الواردات؛ مرنا مو نشيط إن قبّلن شاردات
الذين دبروا فض الاعتصام كانوا يعلمون ان من سوف تسحقهم القبضة العسكرية الجنجويدية الامنية الهائلة هم القلب الثوري (النواة الصلبة لشباب الثورة). فعندما ينام الاخرون هم من يحرسون التروس وتتحرك دورياتهم حول الميدان. كان معظم ضحايا جريمة ومجزرة فض الاعتصام من النواة الصلبة. بطبيعتهم البعيدة عن الاضواء تركوا في المشرحة، بعضهم احتضنته الامواج الهادئة للنيل الازرق وبعضهم مفقود لايعرف له مكان. الذين نجوا بشكل ما اصطادهم القناصة في الايام التالية وضمنهم الشهيد عبد السلام كشة واخرون.
لكن خارج حسابات القتلة والمحرمين، كان فض الاعتصام هو الولادة الحقيقية للجان المقاومة كما نعرفها حتى اليوم. وقد وضح هذا جلياً في قدرتها على التخطيط والتحشيد والعودة للساحة السياسية ورص الشعب السوداني وراء شعارات ٣٠ يونيو ٢٠١٩م.
رغم قدرتها على تنظيم اكبر حشد حدث في السودان الحديث فقد كان اثر فقدان العديد من النواة الصلبة وانهاكهم في عملية التحضير للمواكب اثرها السلبي في انها لم تستطع التحرر من موضعة لجان المقاومة في خانة المحرك للعملية السياسية بدلاً من التفكير الجاد في ان تصبح هي مركز العملية السياسية لكسر سيطرة النخبة العاصمية المتخاذلة والمساومة.
في التكوين الاداري لم يتغير اي شيء فقد واصل تجمع المهنيين ( قصير النظر من يمينه ويساره) عزل اللجان وتهميشها من اي مشاركة حقيقية في العملية السياسية برمتها. اقترحت بعد فترة ربما الشهر من ٣٠ يونيو ٢٠١٩م ان تقيم اللجان مؤتمرا تشاورياً لكل تنسيقيات لجان الوطن في العاصمة لمناقشة استراتيجيتها العامة واعادة موضعتها في الفعل السياسي بدلاً من العمل الميداني فقط. كان كثير ومن ضمنهم شخصيات الاضواء والشهرة وحاملي لواء مركزية العاصمة من اللجان نفسها ومن المكونات المختلفة ضد الفكرة.
سوف تصبح لجان المقاومة رقماً دائما في السياسة السودانية لكنها تتحرك حولها وخارجها، وتحولت طوال السنة الماضية لصانعة مواكب المطالب التي تراكمت عبر الشهور. وهذا لانها اغفلت مايقتل الثورات وهو عدم وصول الثوار الى مركز القرار.
نواصل
لجان المقاومة (٥)
مابعد ٣٠ يونيو
سوف نتناول في تحليلاتنا القادمة مابعد ٣٠ يونيو ٢٠١٩م، لجان المقاومة حتى الان. ورغم ان احداثاً كثيرة ومواقف متعددة حدثت في هذه الفترة. لكن من المقبول ان نقول ان هذه الفترة تميزت بعدم اشراك اللجان كمؤسسة في تكوين السيادي والحكومة وان تم الاستعانة بهم كافراد في بعض اللجان التنفيذية وغيرها.
بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٩م اصبحت للجان المقاومة وجود شعبي ووصفت احيانا انها نبض الشارع. كان لهذا البروز والظهور الكاسح اثاراً ايجابية من اعتماد الشعب في الاحياء عليها في حل ازماتها المتفاقمة وحتى تحديد بوصلة السياسة وغيرها، لكن كان اثرها السلبي اكثر وضوحاً وحاسماً في أنها أصبحت المرجعية للشارع وتركوها وذهب كل لقضاياه.
الشعب رمى بثقل المسئولية على اللجان وانهكها في نفس الوقت في الخدمات في الاحياء . وبدلا من ان يطلب الشعب حكومته بتوفير الاحتياجات فقد حولت مطالبها للجان الخدمات والتغيير. وضعت الدولة العاجزة والعميقة العراقيل امام اللجان بواسطة المحليات التي لم تمسها اي تغيير من حكومة حمدوك وشلله. محاولة اصلاح هذه المحليات كانت ميداناً اخر للصراعات على المستوى المحلي من كرري الى الضعين والمجلد وامبدة وغيرها واستهلاك اللجان وانهاكها وابعادها عن التقاط الانفاس لتبدأ التفكير في دورها الوطني الجديد.
الاختراقات
حتى تكوين الحكومة سوف تتعرض اللجان لمحاولات اختراق عديدة من الدعم السريع. بعد اتهامها من الشعب بارتكابها جريمة فض الاعتصام وايام الرعب بعدها او لعب دور مخلب القط، غير جرائمها في دارفور الموثقة. في مفاوضات المجلس والنخبة العاصمية استطاع حميدتي ان يكتسب الشرعية القانونية، لكن ووجه على الدوام بالفشل في اكتساب المشروعية الشعبية ، اي الرضا الشعبي.
استطيع ان استنبط بدون معلومات كثيرة لكن مايكفي ان الدعم السريع اتبع ثلاث توجهات في مقاربة علاقته مع اللجان: اولها التأكيد المستمر في الاعلام انه داعم للثورة وشريك فيها ( وهذا حقيقي لكن السؤال الذي لم تستطع توضيحة هو لماذا ؟ ؛
ثانياً محاولاتها نفي علاقتها بفض الاعتصام والاحداث في الايام التي بعدها. ورغم الجهود المتواصلة في هذا التوجة فقد ارتبطت هذه والوصول لموقف محدد فيها لاحد معضلات سودان مابعد الثورة لجنة الاستاذ نبيل اديب؛
ثالثاً وهذا هو الاكثر نشاطاً وهو اختراق اللجان نفسها واستمالة افراد وجماعات منها بمختلف الوسائل. وفي وطن عدد فقرائه يفوق ثلاث ارباع سكانه فاسهل الطرق هو المال، لكن من يأتي للمال قابل للرحيل لمحفظة اخرى. لقد تحمس الدعم للمشاركة في كل ازمات الوطن من الكورونا الى الفيضانات ولكن نجح احياناً وقوبل بجفاء كثيراً.
على المدى الطويل استعمل الدعم وسائل متنوعة لجذب اعضاء الكتلة الصلبة- وقد استجاب بعضهم منذ وقت طويل- ورفض الكثيرون. ترتبط هذه الوسائل اكثر بالنفوذ والسلطة ولكن يكلف وقتاً ومجموعات من المستشارين الذين يقدمون المبررات النظرية للانزلاق لتأييد الدعم السريع علناً.
السؤال الذي لم تتوقف لجان المقاومة في ارتدائها الطويل، لحالة محرك مليونيات المطالبات، لبحثه هو دور الدعم السريع سلباً او ايجاباً في محاولة تغيير توازن القوى وتعديل المشهد. وهوسؤال لازال مطروحاً.
لجان المقاومة (٦)
الاختراقات: السلطة التنفيذية
حتى بداية اكتوبر لم تكن هناك سلطة تنفيذية لكن مع منتصف اكتوبر وبعد تسلم حكومة ما اسميت آنذاك ” حكومة الثورة” البرنامج الاسعافي من قحت، وتجاهلها مع مرور الايام كانت قد حددت مسارها؛ برنامج حمدوك ورجاله الخاص والذي كان يزداد ابتعاداً عن تطلعات الشعب.
من الصعب الوصول لحقائق حول كيف تم اختيار اغلب الوزراء ومسئولي الخدمة المدنية من شخصيات كانت بعيدة عن السودان لعقود طويلة. تم في نفس الاتجاه الاصرار على عدم اتخاذ قرار سياسي بارجاع مفصولي الخدمة المدنية والشرطة والجيش وهم خبرات كبيرة ومتنوعة وقادرة. كان هذا التجاهل بدأ من قحت والمجلس العسكري وبعدها محلس الوزراء وحتى الان.
في تلك الاسابيع بدأ رجال حمدوك في بناء استراتيجية التعرف على لجان المقاومة وكسبها لجانبها (كانت شعارات شكراً حمدوك هي الشائعة) لانها كانت تعلم ان برنامجها لن توافق عليه قحت او الشعب بشكل عام. برنامج طرحه د. البدوي مبكرا بالقبول بروشتة صندوق النقد الدولي حتى قبل تعيينه.
كان التوجه هو تحويل لجان المقاومة من تكوينات ثورية لها تطلعات واحلام وطنية الى لجان خدمية. طرح البدوي استيعاب مائة الف من اعضاء اللجان بمرتبات مغرية للعمل على تنظيم محطات الوقود والخبز وغيرها ( مهام يقومون بها تطوعا كجزء من مسئوليتهم الوطنية). فشلت الخطة فشلا ذريعاً بفضل وعي ووطنية لجان المقاومة التي اعتبروها رشوة.
بعد فشلها في اختراق اللجان بشكل مؤثر ووضوح توجه حكومة حمدوك ورجاله في تجاهل واهمال وفقدان كل الروابط مع الشعب بما فيهم لجان المقاومة التي وردت شهريا تقريبا بمطالبها في حياض مجلس الوزراء، توجهت الحكومة للسلاح المجرب في السودان منذ الازل – الاغراء بالوظيفة والسلطة.
استجاب القليل لاغراء الوظيفة او ذهب بعضهم جرب وهرب، واستعمل الشعب ولجان المقاومة سلاحها المجرب وهو “الاشعار بالعار”. اصبحت السلطة مثل نار الفراشات كل من يقترب منها يحترق. عزلت السلطة نفسها وهي تحاول اللعب على كل الخطوط عدا خط تطلعات الشعب.
العلاقة الان بين السلطة والتكوينات الشعبية في اسوأ حالاتها من لجان المفصولين للصالح العام الى لجان المقاومة واسر الشهداء والحرحى والمفقودين والمصابين.
لم تكن محاولات الاختراق بنتائج حميدة دائما، فرغم انها فشلت بشكل عام فقد زرعت الفتنة بين اعضاء اللجان وحولت انتباههم لقضايا انصرافية قصداً ، واعادت اجهزة الامن للترصد والاعتقال والتعذيب وسوف تستمر، فكلما ضيقت الخناق على الشعب بالتجويع والغلاء المخيف الغير مسبوق كلما ابتعدت عن الشعب ولعبت على التناقضات وهو طريق غير طويل ومطروق من قبل بدون نجاحات.
لجان المقاومة (٧)
الاختراقات: الاحزاب
الاختراقات عبر الأحزاب السياسية هي الأخطر لأنها تحول كوادر الأحزاب داخل اللجان الي شلليات لا تخدم اهداف اللجان. (رامي خضر الفكي)
سوف لن تتضح صورة اختراقات الاحزاب والتي تراوحت بين دفع الاموال او الاغراء بمناصب بعد الانتخابات او الادعاء بانها لها الملكية الفكرية للجان المقاومة، الا بتفكيك العلاقة بينها وبين لجان المقاومة. ربما يفيد ان نذكر بعض مانعتبره الاقرب للحقيقة.
ان منتسبي ومؤيدي الاحزاب كانت من مكونات الثورة وشاركت في بناء والعمل بفعالية في تكوين اللجان وتطويرها بما يمتلكون من خبرات تنظيمية. وقد اجرى حزب الامة دراسة حول مؤيدي الحزب ايام الاعتصام ووجدها ٢٪ ( معلومة من احد منظمي الدراسة). ولاتتوفر معلومات عن مدى مساهمات الاحزاب الاخرى.
غير الاحزاب فكثير من اعضاء اللجان كانوا ينتمون لتشكيلات نقابية ضمن تجمع المهنيين او يعملون ضمن تكوينات المحتمع المدني او التنظيمات النسوية وغيرها.
في اثناء الثورة لم تكن هناك اي مشاعر سلبية بين الحزبيين وغيرهم واستمرت كذلك لكنها بدأت تتغير حين بدأت بعض الاحزاب في محاولات اختراق اللجان اما بشكل مباشر ( محاولات الشراء بالمال او السلطة) او بشكل غير مباشر عبر تحويل اللجان لتأييد سياساتها من مثل دفع اللجان لتأييد وزير معين او الاحتجاج لاقالة اخر وهكذا.
بعكس المشاعر السلبية تجاه الاحزاب والتي يمكن متابعتها لمصادر مختلفة لديها مصلحة في نشر هذه المشاعر ، فالكثيرون من اعضاء اللجان لديهم مواقف موضوعية لخصت في ” لكل حزبه ولكن في داخل اللجان الاولوية للاجندة الوطنية العامة”. وقد استطاعت لجان كثيرة في العاصمة والولايات من العمل المشترك مع مكونات قوى الحرية والتغيير.
غير الاحزاب هناك مؤيدي المحركات المسلحة المتنوعة ( بلغت تقريباً ٨٣ حركة) وهي نشيطة في استقطاب العديد من اعضاء لجان المقاومة وسوف تتصاعد مع عودتها للبلاد بعد اتفاقيات السلام.
الاحزاب تكوينات اجتماعية موجودة وستبقى بعد اختفاء اللجنة الامنية والسيادي والوزاري والتشريعي. فهي اساس الديمقراطية والتعددية والتبادل السلمي للسلطة. وسوف يحين وقت قريب سيبدأ اعضاء اللجان اما الالتحاق باحزاب قائمة او ان يكونوا احزاب جديدة بدأت تباشيرها. وسوف نتناول هذه المسألة لاحقاً.
كيفية اختراق الاحزاب للجان (اضافة من الصديق رامي خضر الفكي)
مثال لشغل الشلة الاجتماعات البتسبق اجتماعات تنسيقيات لجان المقاومة الهدف منها تمرير أجندة الحزب من داخل الاجتماعات بالمقترحات المتفق عليها مسبقا والتصويت لتمريرها ( مايسمى في الادبيات الفراكشن). عندنا مثلاً في القضارف تم إقحام لجان جديده بتسميات جديده مثل لجان الأسواق ولجان المؤسسات بدعم من الشلليات وبعض الأحزاب لإضافة دعم للشلليات لتمرير اجنده تخدم أحزاب بعينها. والان لجان المقاومة القضارف تتبادل الاتهامات بسبب الشلليات.
اضافة من الصديق محمد حسن لجنجي
نعم نفس السلوك حاصل في لجان بيت المال مثلا. لكن تظل الفكرة واحده بمجرد كشف الفاسد وخباثته ينفض الناس من حوله. ولكن بحكمه وتريث حتي لا تصبح الممارسه وسيله لضرب قيم وشعارات الثورة. تقديم مفسد واحد وبطريق صحيحه بيرسل رساله واضحه لغيرهم. الاختراق للاسف جاي اكتر حاجه من اليسار وقد حذرناهم مرارا.
نواصل
لجان المقاومة (٨)
الاختراقات: الاجهزة العسكرية والامنية
عندما اعلنت اللجنة الامنية انحيازها للثورة جاءت بشروطها: ان تكون الاقل من النصف المعطل؛ ان تحتفظ بوزارتي الدفاع والداخلية وجهاز الامن؛ ان توافق على النائب العام ورئيس القضاء بحق فيتو ؛ اما اكبر الشروط التعجيزية فقد كان احتفاظها ب٨٢٪ من ميزانية الدولة مدفونة عميقاً في سراديب الشركات الرمادية.
لقد عملت اللجنة الامنية على اختطاف السلطة المدنية رهينة في يدها، اوقفت كل المحاكمات والمحاسبات بفضل اذرعها التي اختاروها بعناية ضد اراء كل اعضاء النيابة ومقاومة القضاء. وساعدتها المواقف المايعة والهلعة للسلطة المدنية وقطع خيوطها مع الشعب صاحب السيادة.
ترتب على هذا ان وقف العسكر ضد هيكلة اي جهاز امني ورفضت بشكل قاطع اتخاذ اي قرار سياسي باعادة مفصولي الصالح العام من الشرطة والجيش، بل قامت باعفاء ١٠٦٠ ضابط من مختلف الرتب قبل عدة شهور في فضيحة مدوية. حافظت التشكيلات الامنية الكيزانية على تسلسلها الاداري والقيادي خاصة داخل اجهزة الامن المتعددة والغير معروفة.
من المعروف ايام الثورة وجود اعداد كبيرة من منتسبي ومخبري والعاملين بالقطعة في الاحياء والوزارات من اعضاء اللجان الشعبية والنقابات واعضاء المؤتمر الوطني والخلايا النائمة وغيرها. كثير من هؤلاء تحولوا لثوار مع السيولة التي سادت في تكوينات المظاهرات وبعدها زرعوا في لجان المقاومة. ربما لانلاحظ وجود هؤلاء الافراد لانهم مدربون على زرع الفتن والتخريب بدون ترك اي اثر.
التوجه الاخطر والاكثر تأثيرا في فركشة الثورة وتمزيقها هي في استعمال العنف المفرط في نواحي دارفور وفي مواجهة المواكب السلمية من اطلاق البمبان والرصاص الحي للقتل والاعتقالات والتحرش اللفظي والتعذيب.
لذلك لن نرى العسكر يخترقون اللجان فقد زرعوا افرادهم فيها ومع قدراتهم التنظيمية والتدريب فهم صعب اكتشافهم، هذا لايعني استحالة كشفهم وتعريتهم وهذا يحدث يومياً ولكنهم يرهقون الشرفاء ويشككون فيهم ويزرعون الفتن. سوف يستبين الخيط الابيض مع توالي الايام ووجود معارك ضارية.
اخيرا فلابد من ان نشير لعملاء رسميين لاجهزة المخابرات والاستخبارات الاقليمية من دول الجوار وتبعد قليلاً والعالمية والمنظمات الارهابية وهي تعتمد على العمل الصبور والمتآني وبعيد المدى.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …