‫الرئيسية‬ رأي المقاطعة الشعبية.. خيارنا لمواجهة الابتزاز!
رأي - نوفمبر 30, 2020

المقاطعة الشعبية.. خيارنا لمواجهة الابتزاز!

ويني عمر :

يعود في هذا اليوم، 29 نوفمبر، اليوم العالمي للتضامن مع فلسطين، مصاحباً تحولات كبيرة وكثيرة في السياسة العالمية، وتحولات داخلية أكبر على مستوى الأوطان، بينما تظل حقيقة واحدة ماثلة كما هي، مازال الفلسطينيون مُهجّرين في المنافي، ومعاقبين في وطنهم ومواجهين بسياسات عنصرية وتمييزية، ممنوعين حتى عن تذكر مأساتهم وفقاً لقانون النكبة الذي أجازه الكنيست الإسرائيلي، الذي يقضي بعقوبات مالية لأي مؤسسة أو أفراد يقومون بإحياء ذكرى النكبة في 15 مايو، مقترحين الاحتفال بقيام دولة إسرائيل بدلاً من ذلك..!
مثّلت صفقة القرن استمراراً لمحاولات إسرائيل لفرض وجودها في المنطقة، ومزيداً من فرض سطوة الذراع الأمريكية على المنطقة، استضافت البحرين الصفقة، التي قُدمت تحت شعار “السلام مقابل الازدهار”، إذ تحاول إسرائيل الترويج لمزايا وفوائد قبولها في المنطقة. تقدم صفقة القرن وعوداً بمشاريع استثمارية لعشر سنوات قادمة لدول الجوار؛ الأردن ومصر ولبنان، بالإضافة إلى وعود بالعمل على خفض نسبة الفقر وتوفير فرص العمل للفلسطينيين. ومن الواضح هنا أن إسرائيل تمسك بالذراع التي تُوجِع.
طُرحت صفقة القرن بينما تواصل إسرائيل انتهاكاتها في حق الشعب الفلسطيني، مواصلة بناء المستوطنات، لتُضم هذه الممارسات لسجلها الطويل في جرائم صُنفت كجرائم حرب، وبينما تحاول في ذات الوقت تقديم نفسها كراعية للديمقراطية في المنطقة والمنارة التي ترعى مصالح جيرانها، بينما تمارس انتهاكات في حق الشعب الفلسطيني لأكثر من 50 عاماً حتى الآن.
الاستعمار الاستيطاني، الذي يعني استبدال السكان الأصليين للمستعمَرة بآخرين من رعايا الدولة أو الديانة ذات العقيدة الاستعمارية في حالة فلسطين، 600 ألف مستوطن قاموا باحتلال أراضٍ فلسطينية منذ 1967. تقوم إسرائيل أيضاً باستغلال الموارد الطبيعية للفلسطيين، فمن الأرض وحتى المياه وأشجار الزيتون والمعادن، ويتم استغلال هذه الموارد بشكل غير قانوني للاستهلاك والتصدير لصالح أرباح متراكمة للكيان الاستيطاني.
بينما انساق السودان تحت وقع الابتزاز الأمريكي للتطبيع مع إسرائيل، مقابل رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفي ظل تغييب كامل للرأي العام، مضت الحكومة الانتقالية في خط التطبيع، خط أول السطور رأس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، لتستمر الخطوات المباركة للتطبيع بإعلانه، عبر مكالمة هاتفية رباعية أطرافها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان. وحتى الآن، لم تتم مشاركة أي معلومات حول اتفاقية التطبيع هذه مع الإعلام السوداني، وسط تسريبات تشير إلى تعاون عسكري وأمني وتجاري قادم، وفقاً لتفاهمات التطبيع هذه.
توجيه تهم معاداة السامية لمنظمات حقوقية كـ”هيومن رايتس ووتش” و”أمنسيتي انترنشونال” من قِبل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ومحاولة فرض عقوبات على موظفي المحكمة الجنائية الدولية، كان بمثابة محاولة يائسة لمحاصرة أي جهود لإحقاق العدالة وإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب. ملف فلسطين لدى المحكمة الجنائية الدولية في انتظار قرار من الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة، بعد أن استوفى كل المعايير القانونية لفتح تحقيق من قِبل المحكمة، لكن بانتظار قرار بخصوص الولاية الإقليمية للمحكمة، نتيجة القرار ستمهد لقبوله كملف شكوى رسمية لدى قضاة المحكمة. لتنضم هذه الشكوى إلى شكاوى أخرى أمام المحكمة الجنائية الدولية، تتعلق بجرائم الحرب، تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في كل من أفغانستان والعراق في فترات زمنية سابقة.
كما يصنف نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية عمليات نقل القوة المحتلة لمدنيين إلى أراضٍ تحتلها “بشكل مباشر أو غير مباشر”، كجريمة حرب، كما أن أي عمليات تهدف لنقل السكان من الأراضي المحتلة إلى أماكن أخرى داخل هذه الأراضي أو خارجها، تعد أيضاً جريمة حرب. الأمر الذي يجب أن يعرض إسرائيل لمحاسبة من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى شكاوى أخرى بخصوص الحرب في غزة 2014، وهذا قليل من كثيرِ من جرائم إسرائيل. من المهم مناصرة ودعم هذه الجهود لمحاسبة إسرائيل وغيرها من القوى المعتدية، على جرائمهم.
لكن ما الذي يعنيه التضامن مع الشعب الفلسطيني الآن، في ظل التحولات والاستقطاب الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، وفي ظل وجهات نظر براغماتية تفكر في السياسة كلعبة مصالح، لا مكان للمبادئ فيها. في ظل هذا الواقع لا حل سوى بدء حملات مقاطعة شعبية واسعة النطاق، ضد قرار التطبيع مع كيان محتل ومتمادٍ في انتهاك الحقوق، وللتأكيد أيضاً على حقنا كسودانيين في المشاركة في صنع السياسات الخارجية.
هذه دعوة للمقاطعة وعدم التعاون في كل ما يتعلق بالعلاقات التجارية والاستثمارية، ولمقاطعة المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية إلى أسواقنا المحلية، تمتد هذه الدعوة لتشمل شركات القطاع الخاص، فيما يتعلق بالتعاون والتبادل التجاري والاستثماري. الدعوة للمقاطعة الشعبية هي امتداد لحركة مقاطعة إسرائيل المعروفة اختصاراً بالـ(BDS)، لمقاومة الاحتلال والاستعمار- الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، كما تعرف الحملة نفسها، وذلك عبر المقاطعة، سحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الكيان الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين، وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.
حقيقة أن للشعب الفلسطيني حقوقاً لا مساومة عليها، كحق العودة كحق أصيل للفلسطينيين المُبعدين في المنافي، الذين عاشوا أعماراً بأكملها يحلمون بالعودة إلى ديارهم، وهو حق غير قابل للتصرف. وحقهم في الحياة وفي كل الحقوق السياسية والمدنية، هي حقائق لا جدال حولها، يحاول الكيان الإسرائيلي الاستيطاني التنكر لها، وصُنع واقع جديد تحكمه المصلحة مع دول المنطقة، لتحويل مسألة الاحتلال إلى قضية أمر واقع يجب تقبلها والمضي قُدماً في قبول إسرائيل في المنطقة، بتواطؤ يتجاهل واقع الانتهاكات، وواقع الاحتلال الاستيطاني كشكل من أشكال الاستعمار، استعمار مشابه لما ثارت عليه دول إفريقيا ودول جنوب العالم لتنال استقلالها وحريتها.
تحاول صفقة القرن أيضاً إلغاء الحق في العودة، حق الفلسطينيين في المطالبة بالعودة إلى مناطقهم وقراهم الأصلية، ضمن محاولات أخرى لإخفاء الصوت الفلسطيني بالتستر وراء قوى عالمية أو وراء وعود بـ”الازدهار”. يجب بكل تأكيد أن تواجه جرائم إسرائيل بمحاسبة واعتراف من قِبل الجهات العدلية، كالمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، هي استحقاقات للتأكيد على منع ثقافة الإفلات من العقاب، وعلى أن الجرائم وانتهاكات القانون الدولي لا تسقط مهما تقادم عليها الزمن.
لكن بينما تتجه إسرائيل نحو استثمارات وعلاقات تجارية مع السودان في إطار اتفاق التطبيع، الذي لا نعرف عن تفاصيله شيئاً حتى الآن، ورد في الأنباء أن زيارة متوقعة لفريق إسرائيلي للتفاهم حول مشاريع متعلقة بالزراعة والري ستتم مطلع الشهر المقبل، ستكون المقاطعة الشعبية وبناء حركة نشِطة لمقاومة التطبيع، طريقتنا لمواجهة عملية الابتزاز التي تعرض لها السودان، وللتأكيد على حقنا في رفض الإملاءات القادمة من الخارج، ورفضاً للضبابية والتعتيم على قرارات الدولة السياسية، وبالتأكيد وقوفاً في وجه الكيان الاستعماري المُجرِم.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …