
هواء طلق … هل جفت منابع التنوير؟ ومن الذي أمر بقتل 5700 مدنيا في 1987 إذن ؟
فتحي البحيري :
الناعون على جيل الثورة الصادق الفطري التلقائي المقدام ما يصفونه فيه بإنه “توحش” منافقون من الدرجة الأولى الممتازة دون ادنى درجة من درجات الشك الموضوعي والمنطقي. ذلك ان صفة هذا الجيل التي كرهوها هي المقابل الاخلاقي والتلقائي النبيل البحت لما ظلوا يرعونه سنوات طويلة من تناقض ممجوج هدفه الاول والاخير الابقاء على مصالح ضيقة متعارضة مع مصلحة السواد الاعظم من الشعب الأبي .
من امثلة هذه الرعاية التي لن نصفها هنا بانها اثمة او داعرة انك لا يمكن ابدا ان تظل مناهضا لسلطة قائمة على قوة البندقية أوعلى “جريمة” استغلال العاطفة الدينية للكسب السياسي الرخيص… احداهما أو كلاهما … متمثلة في النظام الانقاذي البائد ثم تاتي وبلا اي حياء لتحرس سلطة مماثلة لها في و “تحرسك ” … سلطة قائمة بعض اركانها على قوة البندقية متمثلة في حميدتي وقائمة بعض اركانها الاخرى على شظايا الاستغلال (الاشد فداحة وتاثيرا سالبا على نمو وتقدم الدولة السودانية) للعاطفة الدينية في تاريخنا الحديث متمثلة في بقايا كيان الانصار وما يسمى بحزب الامة القومي الحالي في نسخته المختطفة منذ ستينات القرن الماضي بواسطة “المرحوم” الصادق الصديق عبد الرحمن محمد احمد عبدالله وحلفائه الترابيين الذين ظللت تناهضهم ظاهريا … لا يمكن ان تفعل الشيء وضده هكذا … ثم تبكي لطوب الأرض “توحش” الذين يسمون سلوكك هذا باسمه الذي (من الطبيعي والبديهي أن)لا يعجبك.
نحن لا نملك إزاء كل موت طبيعي إلا أن نحس بالحزن، وقول (يرحمه الله) ويرحمنا بداهة أننا كلنا سنموت وأننا كلنا نحتاج للرحمة دون شك .. وأن رحمة الله تسع الجميع قطعا بخلافاتهم وخصوماتهم ومظالم بعضهم عند بعض .. أما استغلال حادثة الموت المقدسة في ذاتها لتمرير أكاذيب وترهات فسلوك ممعن في السوء وقلة الأدب وعدم احترام الموت والموتى .. خوف الذين اختاروا غيرجهة الثورة وغير نصاعتها ونقائها من المد الثوري القادم مفهوم ومحاولاتهم اليائسة وقف هذا المد الحتمي مفسّرة ولكن اعتقادهم أن هذا التشويش الساذج يمكن أن ينطلى على الناس والثورة غير قابل للفهم وللتصور
” كان الإمام زعيماً سياسياً، والسياسة بطبيعتها محل الاختلاف، لا تتحدد بالمثاليات وحدها وإنما كذلك باكراهات الواقع والسياقات، ومسيرة أي سياسي لا تقيم بهذا الموقف أو ذاك إلا لدى متربص أو حقود، تقيم موضوعيا بالاتجاه العام الرئيسي، والإمام الصادق رغم أنه حكم وعارض وقاتل وصالح وتحالف وتباعد، في مسيرة امتدت لعقود، الا أنه لم يفقد انسانيته، ولم ينتهب مالا عاما، ولم يأمر مطلقا بقتل مدني أو إعتقال او اخراس معارض، كما لم يستسلم ابدا للطغيان العسكري الذي أضاع غالب سنوات ما بعد الاستقلال، فكان الأنصار وبقيادته شخصيا مخرزا في أعين الديكتاتوريات المتعاقبة”
الفقرة السابقة تنطلي على كمية من التناقضات الصارخة مع واقع يعلمه الجميع، فدعاءنا المستمر والصادق للصادق عبد الرحمن بالرحمة والمغفرة لا يجعلنا نزور التاريخ بأي حال من الأحوال ونغض الطرف بهذه المجانية المخجلة عن تقارير وثقها التاريخ المعاصر حيث دافع المرحوم الصادق المهدي، كرئيس للوزراء، عن مذبحة الضعين البشعة، وبررها على أنها كانت للانتقام المستحق ضد جون قرنق، في راديو لندن 31 مايو ١٩٨٧، ولاحقا بررها في مؤتمره الصحفي بتاريخ ٨ سبتمبر ١٩٨٧أمام الصحفيين في الخرطوم، وهذا يتعارض مع “قومة النفس المثالية” في الحديث عن الصادق أنه ” لم يأمر مطلقا بقتل مدني” فالمواطنون الجنوبيون الذين تم ذبحهم تحت سلطة حكم الصادق وتحت سلطة دفاعه وتبريره اللاحق مدنيون ولكن يبدو أن المتحدث بهذه الكلمات المتبتلة لا يعتبرهم آدميين أصلا والذي حدث سيداتي آنساتي سادتي أنه في مساء يوم ٢٨ مارس ١٩٨٧، شن “فرسان العرب” المتمتعين بحماية المرحوم الصادق عبد الرحمن وبقوة قوامها (٤) الف فارس، هجوما ضاريا على “المدنيين” في ” حي البروش” واشعلوا النيران في كل بيوت الحي، وماتركوا احد يفلت من الحي. واستعدوا لقتل الهاربين من لهيب النيران ومن يسلم من الحريق لا ينجو من سيوف الجنجويد، وبدأت الة الجنجويد في القتل العشوائي للاطفال والنساء والعجزة والشيوخ وفي ذالك الموقع قتلت الة “الجنجويد” اكثر من 1700 بأمر المرحوم الصادق المهدي الذي يرفع المنافقون عقيرتهم أنه ” لم يأمر مطلقا بقتل مدني” والذين نجوا من تلك المجزرة هربوا الى مركز شرطة السكة حديد بمدينة الضعين، واستطاع رجال الشرطة تركيب الهاربين في عربات القطار، واغلق عليهم بالاغفال الحديدية بغرض حمايتهم من الة “الجنجويد” وتهريبهم الى مدينة نيالا عاصمة الولاية ولكن قدر ومكيدة الجنجويد كان الاقوى وحاصروا القطار واشعلوا النيران في جميع عربات القطار، وتم حرق اكثر من (٤٠٠٠) من ابناء الجنوبيين داخل عربات القطار، وتفحمت جلودهم واجسامهم مع اخشاب وحديد عربات القطار ليصبح كامل العدد قرابة 5700 مدني .. فلم هذه الاستماتة في وصف ميت بصفة ينفيها الموثق من حادثات الأيام ناهيك عن الكثير الذي لم يتم توثيقه … وأي منحاز لمحض الحقيقة لا يمكنه الجزم بأن شخصا ما “لم يفعل” شيئا ما … ما تستطيع الجزم به هو الاثبات الذي تستدل عليه .. ولكن النفي لا يمكن منطقيا الاستدلال عليه … باي حال من الأحوال … فلم كل هذا التعب يا هؤلاء ؟
أما عن المغالطة المضحكة الأخرى ” والأنصار ميراث ومأثرة الامام الصادق الكبرى قادهم بالمحبة، وأشاع بينهم المحبة، جدد رؤاهم، ثم بقيادته الفكرية والسياسية رغم أنهم واجهوا لثلاثة عقود متصلة مكراً تزول منه الجبال، إلا انهم لا يزالوا طوداً متماسكاً وفتياً، ورقماً عصياً على تجاهل أي شخص جاد” فهذا لا يعرفه المنافقون المجتهدون اجتهادا حثيثا في اثبات مستحيلات متفق على استحالتها ولا نعرفه نحن ولكن يعرفه “الأنصار” في دارفور والجزيرة أبا وام درمان ويعرفه كل من يريد أن يتفرغ لبحث نماذج عن “أبشع أنواع استغلال الانسان لأخيه الانسان” أو عن اشد الصور فداحة لظاهرة الاستثمار في الجهل وفي المشاعر الدينية العمياء … وكل هذا الكذب ليس مشكلتنا في هذا المقال .. وليست مشكلة المقال كذلك مناقشة بديهيات متفق حولها ويغالط فيها المنافقون مثل أنه لا يمكن لثورة ديسمبر المجيدة ان تكون “معتدلة” تجاه البشير أو صلاح قوش أو حميدتي أو حثالة يحرسها الجنجويد أو تجاه كل من تواطأ ضد تحقيق العدالة في قتلة الشهداء وضد وصولها كثورة الى اهدافها باي حال من الأحوال ولكن ليست هذه النقطة البديهية التي يصر المنافقون على المغالطة واللف والدوران حولها … ليس كل ذلك هو المشكلة !!
المشكلة انني عندما اردت كتابة ما يفيد ان خبر وفاة عبدالله حسن أحمد البشير قابل لان يكون غير حقيقي وما اذا كان هناك تاكيد من مصدر “نثق به” لهذا الخبر وجدت نفسي وبعفوية فرضتها هذه الخذلانات العميقة اضع عبارة “نثق به’ بين هاتين العلامتين المزدوجتين لايصال حقيقة اننا كمتلقين عاديين صرنا لا نثق في كثير من المصادر التي ظللنا نلتمس عندها ولسنوات طويلة التنوير والثقة والحقيقة.
ما فعلته حتى الان ثورة ديسمبر المجيدة حفظها الله وسدد خطى شهدائها وثوارها وكنداكاتها لم يكن هو إسقاط راس النظام البائد وحسب ولكن ايضا نزع الغشاوة عن اعيننا وعقولنا كمتلقين عاديين … تلك الغشاوة التي ظللنا نكابد في الاحتفاظ بها هربا من مواجهة اننا في حقيقة الامر بلا منابع أصيلة وصادقة ومجردة للتنوير والحقيقة. وإن من ظلوا يلحون في ادعاء أنهم بعض تلك المنابع ليسو سوى باحثين فزعين عن ظل يحتمون به هم وتناقضاتهم من شمس الثورة الوهاجة الكاشفة وليسو إلا رعاة دلقنة ومنتجي تفاهة ولا والف لا للتشويش والنفاق والدلقنة على مسيرة هذه الثورة الظافرة والمنتصرة حتميا وجذريا وان كره المنافقون الذين يحرسهم الجنجويد و #لالحميدتي و #حياةالثورةمهمة … مهمة جدا لو كانوا يصدقون.
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …