
سبيل الوفاء ١-٢
محمد فاروق سلمان :
لا تحزن .. فأي شيء تفقده، يعود لك على هيئة أخرى! – جلال الدين الرومي
قبل عامين وفي نفس التاريخ ١٢ ديسمبر ٢٠١٨ تم تكليفي برئاسة تنظيم التحالف الوطني السوداني نسبة لسفر رئيس الحزب المقاتل كمال اسماعيل، لاجراء عملية في القاهرة، متعه الله بالصحة والعافية، وظللت اشغر هذا المنصب حتى منتصف ابريل ٢٠١٩ وبعد سقوط النظام بعد عودة الاخ والرفيق كمال اسماعيل وهو الشخص الثاني الذي يترأس التحالف الوطني من المؤسسة العسكرية السودانية بعد العميد عبد العزيز خالد، اذ احيل برتبة عقيد الى الصالح العام مع بداية انقلاب “الانقاذ” وكان قد قضى في السجن فترة قاربت من عامين متهما بمحاولة انقلابية حال دون ان يحكم المتهمون فيها بالاعدام انقلاب ٢٨ رمضان والمجزرة التي نفذت بحقهم لتكتفي الانقاذ بسجن المتهمين في المحاولة التي سبقت انقلاب ما عرف بحركة الخلاص الوطني. كانت المحاولة بقيادة اللواء محمد علي حامد قائد سلاح الاسلحة قبل ٨٩، نفس السلاح الذي عمل به كمال اسماعيل والذي تلقى تأهيلًا عالٍ في الاسلحة والمتفجرات في الولايات المتحدة الامريكية كما كانت القوات المسلحة السودانية حتى ذلك الوقت تتلقى تدريبا عالي وبعثات في مختلف بلدان العالم قبل ان تغلق الانقاذ هذا الباب وتعرض عن مسالة الكفاءة نفسها في وظائف الخدمة النظامية والمدنية معتمدة الولاء فقط ليكون انهيار احهزة الدولة مهددا لكل فرص ادارة البلاد وحفظ لحمتها حتى كان الانهيار المدوي للدولة واقتصادها وسقوط نظامها، وعدم تعافينا من تركة ثقيلة للفشل الى الان.
عملت قبل تكليفي برئاسة الحزب في فترة صادفت احداث مصيرية في تاريخنا أتت كنتاج تراكمي في العمل النضالي وايضا فشل النظام وعجزه لتكون ثورة ديسمبر الحلقة الاهم في حركة التغيير واشواق الخروج من دولة ما بعد الاستعمار بكل تشوهاتها وشروطها التي استنفدت الانقاذ اخرها، عملت في المكتب التنفيذي للتحالف الوطني ومنذ انتخابي في اخر مؤتمر عام للتحالف والذي انعقد لاول مرة بالسودان بعد اتفاقية السلام الشامل، في مواقع اختلفت وان تشابهت قبل ان اغادر قبل ايام وفي تاريخ مقارب لتكليفي برئاسة الحزب بعد عامين افاق العمل السياسي الرسمي لمراجعات احتاجها شخصيا واظن كلنا نحتاج ان نقف مع انفسنا واستيعاب ما يحدث لاجراء محاولة جادة لردم هذه الهوة التي تاخذ في الاتساع بين السياسة وحراك الجماهير وضرورة الاجتهاد في التفكير والالتزام بقيم هذه الثورة وضرورة تحقيق اهدافها بدلا من العودة لنفس اشكال الممارسة القديمة التي استنفذت شروطها في دولة الهيمنة والاختلال كوريث طبيعي لنموذج دولة ما بعد الاحتلال وضرورة التبشير بدولة الاستقلال (الثاني) ومن خلال استدامة الديمقراطية والتنمية لتحقيق شروط الحرية والسلام والعدالة.
وانا في هذه المحطة الانتقالية من حياتي والتي اتت في عقدي الخامس بعد ان سطت الانقاذ على ثلاث عقود من عمرنا هي (خريف) العمر لبنات وابناء جيلي، وخريف هنا وفق فصول مناخنا المداري الأفريقي، وليس كما يتم الاستعانة بها في الاستعارة في الادب الاوروبي حيث يكون الخريف هو فصل الذبول والجفاف عكس ما هو عندنا. اود ان اشير لمحطات مختلفة علها تكون عونا لحوار نحتاجه، لاحاول ان اقول كيف يرى جيلي نفسه وكيف يمكن ان يرى غيره وعلنا من هنا نكون اقدر على احترام بعضنا بما نعرفه وتجاوز هذه الحالة من العجز عن الاداء الجماعي والانقسام بين الناس..
انا من جيل قلّ وجوده ان لم ينعدم الان في المشهد السياسي، واذا اردنا ان نعطيه اطار زماني معين فهو الجيل الذي كان في الجامعات قبل المفاصلة بين اسلاميي سلطة الانقاذ وانقسامهم بين القصر والمنشية في ٩٩، وهو انقسام كبير في تركيبة السلطة القاهرة التي تم تشييدها على اناشيد الجهاد وايمان جماهير وحواضن المشروع الحضاري بنبل مقصدهم وصدق سعيهم وتصديقهم للقول بالعمل سواء في بذل حيواتهم او ابتزالهم حياة غيرهم ممن عدوهم اعداء الدين والوطن. فكان من يقوم بالتعذيب في بيوت الاشباح يحتسب عند الله هذا المجهود والجهد في مفارقة فطرة النفس البشرية السوية فصار معينهم على الشر فضيلة جعلت من سنوات الانقاذ الاولى اثقلها على العقل والضمير وان كانت اصدقها في المواجهة والمصير يتربص الموت بطرفي المعارك فيها فكان جيلي هو جيل بشير وسليم والتاية وطارق عندنا كما كان هو جيل علي عبد الفتاح وحسين حسن حسين وابودجانة عندهم…
جيل انكسرت الانقاذ عنده ولم تكسره ابدا، ولكنها لم تسقط، فقد كان مركز ثقل قادة المقاومة في المهجر ولم يكشف هذا الا ونحن نحتل الخرطوم وكباريها في سبتمبر ٩٥ تغلق امامنا البيوت خوفا فكانت شوارع وسط الخرطوم ومساحاته اراض محررة بامر الطلاب! انخرط اغلب ابناء جيلي بعدها في العمل المسلح ممن كانوا في قيادات النشاط الطلابي من مؤتمر الطلاب المستقلين وبعض الطلاب المحايدين في قوات التحالف السودانية، وطلاب الـANF في الجيش الشعبي والانصار وحزب الامة في جيش الامة، وبعض اتحاديين في قوات الفتح، وطلاب الجبهة الديموقراطية في قوات مجد، بحثًا عن فرص لمنازلة أعدل مع الانقاذ ايام عنفوانها، ورغم البريق الذي حمله هذا الطريق طريق الانتفاضة الشعبية المسلحة، الا ان ملاحم جيلي الأقوى كانت ايام حياتهم الطلابية وايام نضالهم السياسي السلمي. غالبية قيادات هذا الجيل استلمتها الغربة والمنافي وفق برامج اعادة التوطين، وبقينا قلة نجتر ذكرياتنا ونشحذ همم بعضنا ولسان حالنا يقول: “وان أعادوا لك الأماكن القديمة فمن يعيد لك الرفاق؟”.
نواصل..
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …











