موت بقرة – قصة قصيرة
نسرين محمد آدم
الشاهد – نصوص
منذ أخبرَتها القابلة بنبأ تجاوز حملها الثلاثة شهور، بدأت التخطيط لاستقبال طفلها وبهجتها الأولى. كانت النساء – في ذلك الزمن – ينتظرن فترة من الوقت تحت مسمى “غياب”، إلى أن ينتهي الأمر بمقابلة “داية الحبل”* الوحيدة في البلدة.
كانت طقوس انتظار المولود الأول تحاط بالسرية؛ إذ طالما كان إظهار الفرح بها عيبًا، بحسب ما ساد من أعراف عند النساء هناك. كانت المرأة حتى وإن قُتل مولودها الأول – أمام ناظريها – لا تملك قول شيء؛ وقد تقضي إحداهن عمرها كلَّه دون أن تنطق اسم طفلها الأول، إذ عادة ما تجدها تصفه بـ “أخوكم الكبير، يا هو كبير البيت، سمي جدو”، وكان من العُرف أن يسمى المولود الذكر باسم جَدَّه.
قضت الستة أشهر المتبقية في تجهيزات من قبيل: دق الريحة، وجمع قطع من الأقشمة الصغيرة، خياطة بعض الثياب المناسبة للمولود أيًّا كان نوعه؛ مع حرصها المتناهي على إخفاء سعادتها، لكي لا توصم بقلَّة الحياء.
تزامن ميلادي مع صعود روح البقرة الوحيدة التي ورثها أبي من جدي. كان لرحيلها أثر أكبر من صرختي الأولى.
لأبي أربعة نساء وعدد لا يحصى من البنين والبنات، للحد الذي كانت تلتبس عليه أسماؤنا وملامحنا، لذلك كانت فرحة أمي هي الغالبة، إذ لم يكن يعينه من الأمر سوى عدد الخراف التي سيذبحها في العقيقة.
يوم عقيقتي، بكت السماء حتى سقطت بيوت القرية كلها، واضطر قاطنوها لهجرها.
قرأت عن الحادثة عندما بدأتُ في دراسة أسباب ضعف الإنتاج الزراعي في المنطقة؛ خلافًا ما كان في السابق.
لقب الأرملة الذي لازمني للعشرين عامًا الماضية، أراه في تلك الأرض، إنها تشبهني؛ أو أنا من يشبهها.
بعد موت ذلك العجوز وكتم الأمر عن السُلطات، كانت المحكمة أسرية، أخذ أهل القتيل عددًا مقدرًا من الأبقار و انتهى الأمر.
في البيوت المغلقة التي تتنفس عبر (النفَّاج)، يمكن فعل أي شيء.
كان القانون – هنا – هو ما يقضي به كبير تلك البيوت، ما جعل إمكانية الخلاص من حبل المشنقة سهلًا؛ لكنَّ الخلاص من ألسنة نساء البلدة قد يأخذ العُمر كله.
تذكر أبي حادث موت البقرة العزيزة والسيول، وها قد حدثت كارثة أعظم؛ كان التخلص مني هو الحل.
تائهة في سماوات لا أجيد قراءة ما فيها من سحب متغيرة.
*قابلة محلية.. كانت تولد نساء الريف قبل ظهور المتشفيات الحديثة.
غراب في دمي
شعر محمد المؤيد المجذوب : كان الفضاءُ يضجُّ غربانا توسِعُ جسمَها تتلاحمُ الأجسامُ ثمَّ تكو…