‫الرئيسية‬ رأي الدعم السريع نمر والنمر يتنمر
رأي - فبراير 1, 2021

الدعم السريع نمر والنمر يتنمر

عبد الله علي إبراهيم :

تتجلى أبرز متاعب هوية الدعم السريع في دولة حديثة في اعتذار الفريق أول حميدتي الذي طال واستطال عن خروقه لحق المواطن في الحياة والطلاقة. والأخيرة هي تعريب الدكتور الترابي لمصلح لاتيني مخيف يعني تأمين المواطن من الاعتقال بغير سبب وجيه وبإذن قاض إلا في حالات المطاردة خلال أو بعد ارتكاب جريمة. واعتذارات حميدتي لا عاقبة لها مثل أن يرتدع أفراد الدعم السريع ويكفوا عن أذى الناس كمبدأ في دولة حديثة مكفولة لهم حقوقهم التي تقدم ذكرها. فهي معاذير لا اعذارا لأن الدعم السريع مطلق اليد لأذى الناس بنص تأسيسه وتكوينه.
فهو جندرمة نظام مستبد أرادها كلب حراسة له لا يسائله على ما فعل طالما أحسن حمايته. أما المواطنون الذين يتأذون منه خلال تأدية الدعم السريع لواجب الحراسة فهم في عداد ضحايا تصادف أن كانوا في خط النار لا بواك عليهم. أما من حيث التكوين فالدعم السريع مليشيا اختلفت عن غيرها في قيامها على بنية قرايبية. فيكفي أن نائب الفريق حميدتي دقلو هو عبد الرحيم دقلو وقس على ذلك. ولا تقوم العلاقة في الدعم السريع بين قائد ونفرات بل على الأهلية. فلن تجد حميدتي، متى استمعت له يخاطب جنوده، قائداً يتحدث إلى أنفار على تباعد مهني صارم منهم، بل ككبير عائلة مخذول يعاتب بني عمومته على عيبهم فيه. بل ربما تذكرونه على شفا البكاء يوم تقاتل الدعم السريع مع كتيبة -مليشيا تابعة للقوات المسلحة في كادقلي قبل شهور. وبدا أن جنده بني العمومة أخذوا عليه أمراً أو آخر حول تلك المواجهة “زعلهم” منه. فما كدر خاطره أن جنوده الذين عادهم في المستشفى لم يردوا عليه سلام الله. وهذا ما لا يتمتع به العسكري المهني الذي تحية ضباطه وضباطه العظام فريضة.
فاعتذارات حميدتي هي معاذير يتلافى بها الذي في طبيعة الدعم السريع وهي طبيعة الوحش من العدوان كما في قول الإنجليز. فلا أعرف عدد المرات التي وقف فينا حميدتي معتذراً عن التفاحة أو التفاحتين الفاسدتين في قفص الدعم السريع. ولم نر مع ذلك ضبطاً للدعم السريع ولا ربطاً مما يدل على أن العطب في القفص كله. وهو عطب عائد إلى فقدانه الهوية بعد سقوط النظام الذي رعرعه. وبقي مرتبكاً في وضع متغير ولكن بذاكرة الوحش في اليد المطلقة في حقوق الإنسان.
ومتى رجعنا لسجل الدعم السريع أيام البشير لرأينا مزدوجة الأذى والاعتذار في غير مناطق تكليفه الأصلي في دارفور وجبال النوبة. فتذكرون ربما أول واقعة لإغلاق الطريق القومي جهة شندي في ديسمبر ٢٠١٤ باعتصام أهل قرى السمرة والشلعاب احتجاجاً علي عدوان فرقة من الدعم السريع عليهم. وكان أثارهم حرق الدعم السريع لمتجر أصر صاحبه على دفع قيمة ما اشتراه أنفار منهم بعد رفضهم. وجرت مواجهة بين أهل القرية والدعم انتهت بمقتل نفر من الدعم السريع. وانتهى إغلاق الشارع بوساطة قادها أحد ضباط الدعم السريع. وأذكر انزعاج حميدتي للحادثة حتى أنه جاء لصلح جعليّ المنطقة بوفد من عربه في دارفور لتقديم الاعتذار لهم لما بدر منهم. وكنت أحتفظ بوقائع تلك الزيارة وطقوسها “القبلية” ضاعت بين أوراقي.
ولكن بقي في نفس حميدتي شيء من اعتذار ما يزال. فزار منطقة الجعليين في أبريل ٢٠١٧ كما جاء في تقرير لصحفي الدعم السريع ونقيب الصحافيين الصادق الرزيقي في “الصيحة”. فوصف الزيارة بأنها اجتماعية لا رسمية أرادت بها زعامات جعلية تكريم حميدتي لنجاح الدعم السريع في دحر التمرد وبسط الأمن. وبدا لي أنه جاء لافتتاح منشآت تبرع بها لمنطقة البسابير وحوش بانقا ترضية لأهل المنطقة بعد فساد ما بينهما في ٢٠١٤. فافتتح داراً للقضاء، ومبنى الوحدة الإدارية، ودار المؤمنات، وخلوة وداخليات الشيخ باسبار. وأكرمته ود بانقا، قرية المخلوع، وصلى الجمعة في مسجد الصول نصر وخطب في الصلاة وأمها الشيخ أسحاق محمد فضل الله الصحفي المعروف. وخطب من أهل الحلة من أعلن استعداد شباب المنطقة للانخراط في الدعم السريع دفاعاً عن الوطن. ومن عاش الستينات ربما تذكر القضية العوة ضد الصول نصر الذي استأثر بأرقام قطع أراض مسرفة في خطة حي الثورة الإسكانية في أم درمان. وترحلت القضية من عهد الأحزاب إلى عهد نميري. وطالت قصتها.
هجم نمر مستأنس للسيرك على مدربه على جهة كاليفورنيا أعتقد. وتواتر القول في الوسائط. “إن النمر أصابه الجنون واعتدى على مدربه”. واستهجن الكوميدي الأسود كريس تكرار هذه العبارة الفارغة بقوله: “يقولون النمر جن وهجم على مدربه. دا كلام دا. يا أخوانا دا النمر وتنمر. شن قولكم “.
والدعم السريع نمر بحكم هويته ويتنمر عادي ومعاذير حميدتي لن تغنى عن الحق شيئا.

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …