لا خير فينا إن نحن رفضنا استعادة شرف الصحافة
فتحي البحيري
إن كان عملنا بالصحف التقليدية قليلا ً ونادرا ً بسبب مواقفنا وطبيعتنا أولا ً وأخيرا ً فهذا لا يعني أننا لا نحب المهنة ولا أننا لا نجيدها .. ولا يعني أيضا ً أننا لا تربطنا علاقات معرفة وزمالة بالصحفيين المحسوبين على النظام السابق، أوالذين هم بين بين، أوالذين هم بينهم وبين بين.
والذين يتباكون الآن على ما يسمونه قطع الأزراق والحراسة بالدوشكات وما يسمونه مصادرة الصحف نسوا أو تناسوا أن هذه الصحف كانت “تحرس” الرصاص الذي كان يقتلنا وأنها لا زالت تنفث سمومها ضد السودان وشعبه وثورته.
الأشد قساوة من كل هذا النسيان أن هؤلاء المتباكين من الصحفيين وغيرهم يتماهون مع جلادهم في ظاهرة مرضية سايكوباتية غريبة. لأن أكثر ذارفي الدموع الأنيقة الآن هم من ضحايا التمييز والتمكين والسحل الوظيفي والاقتصادي والمعيشي الذي ظلت تمارسه عليهم الإنقاذ بصحفها وأجهزتها على مدار الثانية والنانو ثانية.
إن ما تم ليس مصادرة بالمعنى الشمولي والديكتاتوري لسبب منطقي بسيط ومفهوم هو أن هذه المؤسسات تنتمي بشكل أو بآخر لنظام شمولي ديكتاتوري إقصائي استخدمها كأدوات لحماية الديكتاتورية والشمولية وخدمة أهدافها، وأن ما تم تم وفق قانون كفل لكل ذي حق فرصة استرداده بالقانون. وليس هناك سوى شرط واحد بديهي ومقبول؛ أن يثبت هؤلاء المتظلمون أنهم امتلكوا هذا الحق وحازوه خارج المال العام لهذا الشعب المبتلى.
إن الكتابة المليئة بادعاء القيم النبيلة والعواطف الانسانية الجياشة تخدم الباطل عندما تخلو من الإحاطة بالتفاصيل والأسماء والوقائع والملابسات. أو تفتقر إلى تذكرها على الأقل. لقد فعلت مؤسسات النظام الصحفية – الأمنية بالبلاد والعباد ما لم تفعله آلات الاعتقال والتعذيب والقهرالمباشر وقتلتنا مثلما لم تقتلنا البنادق والمدافع والانتنوف، لأنها كانت لسانا ً لكل ذلك وزادت عليه بالتعتيم والتبرير والتزوير وإخفاء الحقائق والوقائع ونشر الزيف والضلال والكذب.
نتفهم مشاعر الزمالة ولواعج الأخوة، ونتفهم الانشداه إلى ما يعتقده البعض قيما نبيلة هاهنا وهو دون ذلك بكثير، لكنه، سيداتي آنساتي سادتي، وطن، ولكنها ثورة، يكتنفها الخطر المحدق الآن من تلقاء هذه المؤسسات التي تعمل لخنقها ووأدها مع سبق الإصرار والترصد، أشد مما يكتنفها من تلقاء المليشيات والوحدا ت الجهادية الإرهابية المسلحة، ومن تلقاء كتائب الظل والعتمة والظلام، وإنهم ، سيداتي آنساتي سادتي، ليسو ناشرين ولا صحفيين ولا أي شيء، أنهم محض تروس وواجهات لنفس النظام الذي قتل منا آلاف الشهداء ومئات آلافهم وأحال نهار وطننا إلى ليل بهيم ثلاثين سنة وأكثر، ولم ينقطع منهم الآن رزق مهني حلال ولم ينتزع منهم ملك كسبي حلال. وإنما هي أموال الفقراء والمظلومين والضحايا ولا خير فينا أبدا ًإن نحن وقفنا ضد رجوع الحق لأهله، ولا خير فينا أبدا ً إن نحن وقفنا ضد أي خطوة في الطريق الطويل إلى استعادة طهارة المهنة ورونقها وشرفها وغسلها من كل أدران الاستخدام الكلي الطويل بواسطة أجهزة القمع والدمار والإفقار والتجسس. لا خير فينا . ولا خير فينا أبدا ً إن نحن وقفنا ضد رد الاعتبار لعشرات ومئات الصحفيين والكتاب الشرفاء الخلص الذين أبادتهم هذه المؤسسات الأمنوإعلامية إبادة جماعية متوحشة، مادية ومعنوية، زرافات ووحدانا، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .. لا خير فينا .. أبدا ً أبدا ً أبدا .
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …