‫الرئيسية‬ رأي الوسواذجون أو الثورة المضادة
رأي - ملفات - منوعات - مارس 22, 2020

الوسواذجون أو الثورة المضادة

جعفر خضر

في أوقات صعود المد الثوري طوال مراحل الثورة السودانية المجيدة، لا سيما بعد 11 أبريل، لحظة سقوط الطاغية البشير، ووصول المد الثوري إلى إحدى نهايته العظمى؛ لحظتها انخرط في الثورة المتعاطفون، وانتمى إليها المترددون، وانضم لها المشككون فيها، ولجأ إليها الفارون من سفينة الإنقاذ الغارقة. التف حول الثورة الناس كلهم أجمعين، إلا أتباع النظام البائد الذين مثلت الثورة تهديدا مباشرا لمصالحهم وأيقنوا أنها تستهدفهم ولا منجاة من ضرباتها.
ولأن الثورة تمضي في مسار متعرج صعودا وهبوطا ، كانت مليونية 30 يونيو إحدى ذرى صعودها السامقة، بعد أن ظن الواهمون ـ في أعقاب فض اعتصام القيادة ـ أن لن تقومن للثورة قائمة! .
واللحظة التي نعيشها الآن، في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة، وضعف أداء حكومة الثورة في بعض جوانبها على الأقل ، والوهن التنظيمي لقوى الحرية والتغيير ، ومحاولات العسكر للسيطرة وتقويض الفترة الانتقالية؛ هي لحظة انخفاض ثوري بلا أدنى ريب.
أدت هذه اللحظة من لحظات الانخفاض الثوري، أدت لأن يقفز البعض من قطار الثورة ظنا منهم أنهم راهنوا على جواد خاسر! مثلما قفزوا من قبل هاربين من سفينة الإنقاذ الغارقة، ووقف أكثرهم على الرصيف في انتظار القوة القادمة ، ورأيت الناس قد مالوا إلى من عنده المال وجبل عامر ولهؤلاء أمارات ظاهرة ، تجدها في لحن الحديث والاستماتة في الدفاع عن المجلس العسكري المتورط في إبادة الثوار في مجزرة القيادة وغيرها .
وبعض كيزان العهد البائد ساقتهم أوهامهم لإمكانية عودة دولتهم الفاسدة وبدءوا يجاهرون بانتمائهم الذميم ، وبدأ بعضهم يتحدث عن الشهداء الذين اغتالهم هو نفسه بكتائب ظله وأمنه وشرطته وجنجويده.
تسببت لحظة الانخفاض الثوري هذه ،التي طالت مدتها الزمنية، في أن يختلط الحابل بالنابل، من مع الثورة؟ ومن ضدها؟ من الناقد ومن الحاقد؟
عليه لا بد من الوعي والانتباه ، إذ ينقسم الناس ، في خضم المعمعة التي نعيشها الآن، إلى أربعة أقسام ، بينها أمور مشتبهات،:
النوع الأول الشخص (الوسواسي) ، وبعبارة أخرى ذات إيحاء إيجابي يمكننا أن نقول (الحذر) ، الذي يشك في جل العاملين معه إن لم يكن كلهم. يشك في من هم محل شك ولكن للأسف يشك في من هم محل ثقة أيضا . مثل هذا الشخص في حالته الكاريكاتيرية هذه مصاب بما يمكن تسميته بالوسواس القهري، وكل شخص يقترب من هذا النموذج يكون غير قادر على العمل الجماعي. وتنشط الثورة المضادة في الاستفادة من مثل هذا بزيادة الشكوك حول القوى الثورية ، ويجب علينا أن نعمل على محو (الوسوسة) منا والإبقاء على (الحذر) الذي لا بد منه.
النوع الثاني، المعاكس والمضاد للنموذج الأول، هو الشخص( الساذج) أو (الطيب) لو أردنا كلمة طيبة. إن هذا النوع يطمئن للجميع، كل الناس لديه مخلصون، يحسن التعامل مع الكل ، لكنه يمكن استغلاله لحرف مسار الثورة وإدخال عناصر الثورة المضادة في عمق القوى الثورية من لجان مقاومة وغيرها. وهذا نحتاج أن نبقي على طيبته ونتخلص من سذاجته .
النوع الثالث ، الخطير جدا ، الذي يجمع بين الصفتين الذميمتين للنموذجين أعلاه ، وسواسي تجاه الثوار، وساذج مع بقايا الإنقاذ، فهو (وسواذج) ، يشك في الثائر الحقيقي ويعاديه ويطمئن للكوز المندس ويمد إليه حبال الود، وهذا ثورة مضادة برغبته أو بغبائه المفرط ، هؤلاء هم الذين تعمل الثورة المضادة على إنتاجهم بإغرائهم بمال أو جاه متوهم ، هذا هو عدونا الذي علينا محاربته بضراوة لا رأفة فيها.
أما النموذج الرابع الذي يجمع بين الصفتين الحميدتين: الحذر والطيبة، فهو حذر يشك في من هو محل شك بمنطق ورصد ومعلومات، وطيب يحسن التعامل مع الثوار، وهذا هو النموذج الذي نصبوا اليه، طيبون بحذر ، وحذرون بطيبة.
علينا ألا نتسرع في الحكم على الناس ، وإن لحظات الانخفاض الثوري ، رغم سوئها ، فهي عظيمة الفائدة في كشف معادن الثوار ، فقط علينا العمل على الرصد والمراقبة بوعي ، إلى جانب العمل على النهوض الثوري.
وسنصعد بمنحنى الثورة قريبا إلى ذروة جديدة، وسيأتي “الوسواذجون” للتسلق مرة أخرى ، لكن آه وين ياه .

‫شاهد أيضًا‬

الإرادة

ريم عثمان : كتابات حرة الحياة رحلة طالت أو قصرت تحتاج أن نعيشها بسعادة وعطاء، أن نأخذ منها…