عندما طار العتود
محمد سوركتي
بداية التسعينات كانت العمليات العسكرية فى الجنوب فى ذروتها ومجرد اخطار الضابط او الجندى بالانضمام الى القوات التى بالجنوب كان يعنى أن امل عودته ضعيف للغاية نسبة لشراسة المعارك وجهل قيادات الاسلاميين المدنيين الذين اشعلوا حربا كان من الممكن أن لاتكون..
راجت فى تلك الايام فرية الحجاب الواقى من الرصاص وأصبح الدجالون يروجون لهذا الاستثمار المغرى وسط منسوبى القوات النظامية واصبح سوق الاحجبة سوقا رائجا..
طلب منى صديقى الذى تخرج حديثا من الكلية الحربية طلب مساعدته فى الحصول على حجاب (مكرب) علما بانه قد تم اخطاره بالتحرك الى مدينة واو خلال ٧٢ ساعة.
لم تفلح جهودى فى اقناعه بخطل الفكرة (المهببة) ومن فرط اصراره.. وضربه الامثلة المتعلقة بصحة وصدق الاحجبة فى الحماية من (الذخيرة الحية) ..استسلمت للفكرة وبدأت وبمساعدة بعض الاصدقاء فى البحث عن (شيخ ) من مشايخ الاحجبة (المكربين)..
اصطحبت صديقى الملازم وبمعيتنا مبلغ محترم يمكننا من انجاز المهمة ..وهذا المبلغ فى ذاك الحين يمكن أن يشترى به قطعة ارض ٤٠٠ متر فى وسط الخرطوم .
بعد جهد مضنى استطعنا مقابلة شيخ الاحجبة والذى يسكن فى منزل محترم وخصص له حجرة مليئة بالاحجية وعظام الحيوانات وجمجمة بشرية . .وحوض ماء به ضفادع خضراء وصفراء تسر الناظرين.. وحوض ملىء بالرملة به ثعبان ملون بعدة اللوان .
صافحنا الشيخ وقدم لنا بعض من الماء الدافىء ..
وسأل عن الغرض من الزيارة ..وشرحنا له بأسهاب ووافق على طلبنا على أن نستلم الاحجبة فى اليوم التالى ..شكرناه ودفعنا له المبلغ وقبل أن نخرج من غرفته ذكر لنا بأن المبلغ غير كاف وطلب مبلغ اخر عند الاستلام يوم غدا..
صباح اليوم التانى استطعنا استلاف او تدبير المبلغ وذهبنا الى الشيخ فى قصره..
طلبنا من الشيخ أن يوضح لنا كيفية وفعالية استخدام الحجاب.
قال جلالته :-
الحجاب ده كان ربطتو فى نصك …
مافى ذخيرة تدخل جسمك
مافى سلاح ابيض يدخل جسمك…وكان طلعت فيك دبابة ماحاتجيك اى عوجة ..وانا عملتو ليك مخصوص حجاب شامل عشان انت زول سنك صغير والدنيا دى لسة عندك فيها امل …والحجاب ده تانى مابقدر اعمل منو واحد تانى الا بعد ١٢ شهر من اليوم.
ده نحن بنسميهو حارس الروح.
..نفحنا الشيخ بمتبقى المبلغ وخرجنا سعداء ..وانا كنت بين الشك واليقين ..الا أن سعادة صديقى الملازم اراحتنى جدا وازاحت من ذهنى مخاوف مخاطرته بالذهاب الى الجحيم .
..بعد رجوعنا من الشيخ ونحن فى الطريق اقترحت على صديقى الملازم تجربة الحجاب فى اى حيوان..
توصلنا فى النهاية الى تجربة الحجاب فى (عتود)
..تحصلنا فى نفس اليوم على (عنبلوق) فاخر كان من الممكن أن نقضى به ليلة ساهرة بين شواء وحلة (مجقجقة) ولكن كان قدر العتود غير ذلك..
ربطنا (العتود) بحبل متين ولففنا الحجاب حول جسده فى مضمار سابق لضرب النار..
وببندقية خرطوش ومن الطلقة الاولى على العتود المحجب كانت امعائه تصعد الى السماء راسمة خطوط ملونة تتناثر حولها الدماء وانتشرت اشلاء العتود (المدغلب) وكاد صديقى الملازم أن يغشى عليه..
عزمنا صباح اليوم التالى استرداد المبلغ من الشيخ الدجال المحتال …
دخلنا عليه فى خلوته دون استئذان ونحن نحمل الحجاب الملوث ببقايا العتود الشهيد.
وضعت الحجاب امام الشيخ وقلت ليهو:-
ياشيخنا حجابك ده طلع فشنك ..نحن جربناهو ومانفع …
قال : جربتوه كيف؟
قلت ليهو : جربناهو فى (عتود)
قال: لكن العتود ده كان طاهر؟
….قلعنا منو قروشنا واتخارجنا… وذهب صديقى وعاد كاملا مكتملا ولم يمسه سوء الى أن تقاعد فى رتبة العقيد ..
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …