الاتفاقيات الثنائية والجزئية مجربة ولن تحقق السلام
الربيع محمد بابكر :
إن السلام والإستقرار يتحققان عبر أربعة عناصر أساسية ، تتمثل في الأمن ، مشاركة الجميع في وضع نظام الحكم ، الإعتراف بالتعدد والتنوع والتوزيع العادل للسلطة والثروة ، ويبدأ السلام من حيث ينتهي الإضطراب السياسي في جميع أنحاء السودان ، فإن مشاركة الجميع في وضع نظام الحكم هو مفتاح السلام بالسودان ، ولابد أن تسبق هذه المشاركة شروط أساسية تتعلق بحقوق الإنسان الطبيعية ، كالحق في الحياة والحريات العامة والخاصة ، ومعالجة قضايا ضحايا الحرب وإفرازات الصراع ، مع ضرورة إقرار العدالة الإنتقالية ومحاكمة كافة مجرمي الحرب وتسليم كافة المطلوبين للمحكمة الجنائية، وتفكيك المليشيات الحكومية ونزع سلاحها ، وإعادة الحواكير إلى ملاكها الأصليين وطرد الذين إستوطنوا فيها بقوة السلاح ومساعدة الدولة ، وتهيئة البيئة المناسبة لعودة النازحين واللاجئين إلي مناطقهم الأصلية ، مع وجوب تعويضهم مادياً ومعنوياً ، وفردياً وجماعياً.
أما الإعتراف بالتعدد والتنوع فهو من أساسيات الوحدة الوطنية والشعور بالانتماء للوطن الواحد لجهة أن السبب الرئيس في إستقلال جنوب السودان و قيام حركات تحررية في أغلب جغرافية السودان هو غياب المواطنة المتساوية وعدم الإعتراف بهم كمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات مثل غيرهم من أقوام السودان ، فإن الذين ورثوا السلطة وإنفردوا بإمتيازاتها قد مارسوا التهميش والإقصاء للسواد الأعظم من المكونات الإجتماعية والجغرافية بالسودان لا سيما جنوب وغرب وشرق السودان.
أما قضية تقسيم السلطة والثروة لابد أن تتم بصورة عادلة وفق أسس موضوعية وعبر تعداد سكاني شامل ونزيه ، والعودة إلى نظام الحكم الفيدرالي الحقيقي ، ومن ثم يتم توزيع السلطة والموارد بناءًا علي حجم سكان كل إقليم من الأقاليم السودانية ، مع ضرورة إتباع سياسة التمييز الإيجابي للأقاليم المتاثرة بالحرب.
منذ قيام إندلاع ثورة ديسمبر 2018م وسقوط حكومة المؤتمر الوطني لم يحدث أي تغيير حقيقي سوي تحسن نسبي في مسألة الحريات العامة ، وظل القتل والتشريد وإنتهاك حقوق الإنسان مستمراً في مناطق كثيرة بالسودان لا سيما في دارفور وجنوب كردفان وشرق السودان ، ولا تزال دواعي تجدد الحرب مرة أخري قائمة.
إن المفاوضات التي تجري في جوبا بين حكومة الخرطوم وبعض الفصائل المسلحة وغير المسلحة هي تكرار لنفس سيناريوهات المفاوضات في عهد البشير ، والنتيجة الحتمية لن تختلف عن النتائج التي حققتها مفاوضات البشير ، طالما سارت الأمور علي نفس المنهج بإختلاف الزمان والمكان والشخوص.
إن قوي الحرية والتغيير قد إرتكبت خطيئة كبري عندما تبنت العمل الآحادي وعبثت بأهداف الثورة وشعاراتها ، ووقعت مساومة مع جنرالات اللجنة الأمنية لنظام البشير ، وأقصت القوي الحقيقية الفاعلة في الثورة ، بل أقصت حتي الشباب والنساء ولجان المقاومة صناع الثورة ، وإنفردت قحت بالسلطة وتناست قضايا الشهداء والجرحي والمفقودين ، وإنشغلت بالمحاصصات وتقاسم الكعكعة فيما بين مكوناتها ، مما جعل مكوناتها تختلف فيما بينها حول قسمة المنهوب وتضارب المصالح ، وظهرت التكتلات والشلليات ، فخرج البعض مغاضباً والبعض يهدد بالخروج من التحالف ، فإن تحالف قوي الحرية والتغيير هو تحالف المتناقضات ويفتقر للتجانس والإنسجام ووحدة الهدف ، فإن غالبية مكوناته من جماعة الهبوط الناعم الذين كانوا يفاضون البشير في أديس أبابا ، وكادوا أن يصلوا معه لإتفاق ما ، لولا أن ثورة ديسمبر فاجأتهم وخلطت عليهم أوراق التسوية ، وقبيل الثورة كان بعضهم يعقد المناظرات ويستعد لنزول إنتخابات 2020م ، والبعض الآخر تربطه علاقات مصالح إقتصادية وسياسية مع النظام البائد ، وآخرين كانوا شركاء في سلطة المؤتمر الوطني بالشباك وليس الباب ، وكانت قلوبهم مع المعارضة وجيوبهم وأبنائهم مع النظام!.
إن الوثيقة الدستورية معيبة وتعتبر عقبة من عقبات عدم تحقيق أهداف الثورة ، فإنها أول وثيقة في تأريخ الثورات تعطي العسكريين حق المشاركة السياسية وممارسة النشاط السياسي باسم المؤسسات الأمنية ، كما إنها قد أهملت قضايا أساسية من بينها إصلاح المنظومة العدلية.
بالعودة لمفاوضات جوبا التى شارفت علي نهايتها وفي إنتظار التوقيع النهائي علي الإتفاق ، فإن الفصائل التي كانت تنضوي تحت لواء الجبهة الثورية ثم إنقسمت إلي جبهتين ثوريتين ، إلا أن ما تم الإتفاق عليه حسب ما رشح من معلومات يصعب تحقيقه علي أرض الواقع ، نسبة لغياب الإرادة السياسية وعدم الإيمان بالتغيير الذي نادت به ثورة ديسمبر ومطلوباته من جانب جنرالات البشير الذين سيطروا علي ملف السلام ، ولإنعدام آليات التنفيذ لدي فصائل الجبهة الثورية التي تفتقر للوجود الفعلي في أرض الواقع ، لا عسكرياً أو جماهيرياً ، ولا تسيطر علي كيلومتر واحد بابسودان!. وكثيرون يتابعون إتصالات بعض قادة الجبهة الثورية بالإدارات الأهلية بدارفور وكردفان ومناطق أخري من السودان ومع بقايا المجاهدين والدفاع الشعبي كي يجندوا لهم قوات ينفذوا عبرها بنود الترتيبات الأمنية!.
إن أبرز الغائبين عن التوقيع علي اتفاق جوبا ، هما الحركة الشعبية بقيادة الفريق عبد العزيز الحلو ، رغم تواجدها في منبر التفاوض ، والتي تري بأن السلام الشامل والمستدام يتحقق عبر تحقيق أحد شرطين من ضمن قضايا أخري: القبول بعلمانية الدولة صراحةً أو إقرار ممارسة حق تقرير المصير للمنطقتين ، فالشرط الأول منطقي ويجد القبول من غالبية السودانيين كونه الضمان الوحيد لبناء دولة مواطنة متساوية وعدم إستغلال الدين سياسياً ، والشرط الثاني حق أساسي نصت عليه المواثيق الدولية.
أما حركة تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد نور والتي رفضت منبر جوبا نسبةً للمنهجية والإجراءات التي قام عليها ، ونتائجه لن تختلف عن نتائج منابر التفاوض في عهد المؤتمر الوطني ، وتري أن السلام العادل والشامل والمستدام يتحقق بمخاطبة جذور الأزمة التأريخية وحوار بين كافة المكونات السودانية السياسية والعسكرية والمدنية والأهلية والفئوية ما عدا نظام المؤتمر الوطني وواجهاته ، ولضمان نجاح هذا المؤتمر لابد من تسليم كافة المطلوبين للجنائية وإطلاق سراح جميع الأسري والمعتقلين ، وعودة المنظمات الدولية التي طردها البشير لتقدم خدماتها للنازحين والمتضررين ، ووقف القتل ونزع سلاح المليشيات الحكومية وتهيئة الأجواء لحوار منتج يطوي صفحة الحرب وعدم الإستقرار السياسي ويقود إلي حكومة مدنية بالكامل من شخصيات مستقلة وإعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة وفق أسس قومية جديدة وبناء جيش وطني واحد ذو عقيدة قتالية متوافق عليها ، وبناء دولة مواطنة متساوية بين كل السودانيين
مع السلامة
الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …