‫الرئيسية‬ رأي الحكومة السودانية تحت قبضة جيش الإبادة والولايات المتحدة
رأي - يناير 16, 2021

الحكومة السودانية تحت قبضة جيش الإبادة والولايات المتحدة

مارتن رالف_ الرابطة الاشتراكية الأممية :

صندوق النقد الدولي قال في شباط 2020 إن الآفاق الاقتصادية للسودان تنذر بالخطر نتيجة كوفيد_19 والأزمة الاقتصادية العالمية العميقة. تصريح صندوق النقد يعكس إنذارا لمصالح الشركات متعددة الجنسية للولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، لأن المقاومة قد تعيد إشعال الثورة التي بدأت في العام 2018.
المشاكل ليست ناجمة فقط عن الديكتاتورية السابقة واستمرار السيطرة العسكرية (بوجه مدني)، بل إنها ناتجة عن الهيمنة الإمبريالية والأجنبية التي تستغل الدين الخارجي والسيطرة العسكرية على الاقتصاد. أصدقاء الولايات المتحدة، كالسعودية والإمارات، كانوا شركاء مهيمنين على السودان خلال عهد البشير. الولايات المتحدة فرضت عقوبات على السودان لمدة 17 سنة، لكن أصدقاءها في الشرق الأوسط حافظوا على علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية مع السودان.
السودان ليس الوحيد. زامبيا هي الدولة السادسة التي تخلفت عن سداد ديونها أو أعادت هيكلتها في العام 2020، وصحيفة الفايننشيال تايمز قالت إن كلا من البرازيل وجنوب افريقيا (كلاهما في مجموعة العشرين) قد تواجهان تحديات اقتصادية عنيفة. منبع قلق صندوق النقد بالتالي هو كيفية الاستمرار في نهب البلدان الإفريقية، بينما تركع حكوماتها المدنية أمام ضغوطه السياسية.
الولايات المتحدة أنهت العقوبات الاقتصادية في العام 2017، لكنها لم ترفع عن الدولة تصنيفها كراعية للإرهاب. في عهد ترمب، الجزء المدني من الحكومة تم دفعه للانغماس في الديون. ترمب طالب بـ 300 مليون دولار لعائلات الأمريكيين الشماليين الذين قتلوا في تفجيرات العام 1998 التي نفذتها القاعدة خارج السفارتين الأمريكيتين في نيروبي بكينيا، ودار السلام بتنزانيا. إذا لم تدفع الحكومة السودانية الجديدة ، فإنها ستبقى على قائمة الدول الراعية للإرهاب.
الحكومة المدنية ليست مسؤولة عما حدث في ظل الدكتاتورية قبل 20 سنة، والتي قتلت 500،000 شخص في دارفور وأماكن أخرى. تصرف الولايات المتحدة ينطوي على فكرة أنه في حين تمت إزالة الرئيس الصوري، لايزال النظام هو ذاته_ ليست مشكلة شركات الاستثمار الأمريكية أو متعددة الجنسية.
وكجزء من الصفقة، طالب ترمب الخرطوم بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل. تهديدات ترمب زادت الضغط لدفع 60 مليار دولار من الديون السابقة، أو أنه يمكن للبنوك الدولية شطبها. ولكن كما هو الأمر في هذه الحالات فإن إعادة هيكلة الديون تعني أن قروضا جديدة من البنوك الدولية وصندوق النقد ستثقل كاهل البلاد بديون خارجية جديدة. الحكومة المدنية وافقت على الاعتراف بهذه المعادلة: اسرائيل_ دولة إرهابية.
الملكية العسكرية لنطاقات متزايدة من الشركات السودانية ارتفعت بوتيرة متسارعة في ظل الحكومة “الجديدة”، ويمكنهم ممارسة ضغوط مالية هائلة على هذه الحكومة الرأسمالية الضعيفة.

الرأسمالية في السودان:
الرأسمالية في السودان مرتبطة بنفوذ وقمع العسكر، والجيش مازال يمتلك نفوذا هائلا _طالما كان العمود الفقري لديكتاتورية البشير التي استمرت لثلاثين سنة. لقد قام مع الميليشيات العربية المسماة بالجنجويد (لاحقا تمت تسميتها بقوات الدعم السريع، ودمجت الآن في القوات المسلحة تحت قيادة زعيمها القديم) بهزيمة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، اللذين حاربا، من بين آخرين، الديكتاتورية منذ بدايات الألفية الثانية. خلال ذلك الوقت، شعوب الفور والمساليت، والزغاوة، تم تطهيرها عرقيا، بتشجيع من السعودية، بينما كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تنظران. قام كل من جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة بتوقيع اتفاقية جوبا للسلام عام 2020.
الديكتاتورية قسمت البلاد، والجيش عزز سيطرته في مناطق مثل دارفور وجبال النوبة (التي أيضا قاتلت عسكريا من أجل تقرير المصير). منذ 2011 تعاني النوبة قصفا شبه يومي[i].
قادة الجيش والميليشيات العربية انتزعوا الأرض وزرعوا الألغام. لقد دمروا القرى، وقتلوا الرجال، واغتصبوا النساء، وارتكبوا إبادة جماعية (أهالي دارفور يقولون إنها بلغت 500،000 وفاة وبات 2.5 مليون من الدارفوريين غير العرب نازحين داخليا أو لاجئين في بلدان مجاورة). الإبادة الجماعية تم تنظيمها على يد الفريق محمد حمدان “حميدتي” الذي كان يدير قوات الجنجويد القاتلة.
أثناء الإبادة الجماعية عقدت وكالة المخابرات المركزية (سي اي ايه) والبريطانيون اجتماعات مع قادة الجنجويد من أمثال اللواء قوش (واحد من 17 مدرجا في قائمة الأمم المتحدة التي تعتبرهم من المتورطين في جرائم حرب، وكان يعد مرافق أسامة بن لادن[ii]، الذي كان في السودان). قوش كان رئيس جهاز الأمن الوطني السوداني_ وكان جهة اتصال لوكالة المخابرات المركزية في العام 2005 وهو اليوم محمي من قبل مصر. الذي تستخدمه الولايات المتحدة أو لا تستخدمه ليس له علاقة كبيرة بالعثور على “إرهابيين”.
بريطانيا (وفرنسا) لعبت دورا حاسما في محاولة منع محاكمة الرئيس السوداني عمر البشير على المجزرة في دارفور عام 2008[iii]. حكومة حزب العمال بزعامة بلير دعمت التحركات لإعاقة لائحة اتهام البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. كان شعار: “البشير للمحكمة الجنائية الدولية” شعارا قويا رفعه شعب دارفور وجبال النوبة قبل الثورة وأثناءها.
نضالات طلبة دارفور تم منعها بشكل متصاعد من الوصول إلى الجامعات السودانية، لكنهم لم يتخلوا عن معركتهم أبدا. ثم انفجرت الثورة في كانون الأول 2018، والنضال الجماهيري للعمال، والطلبة، والنساء، ولجان الأحياء عبر السودان فرضت على البشير أن يرحل. في نهاية الأمر، البشير تمكن من خلق أكثر ما كان يكرهه_ نضال جماهيري للعمال والشبيبة.

أصدقاء السودان وشركاء الإمبريالية الصغار:
كان لأصدقاء الإمبريالية الأوفياء، السعودية والإمارات العربية المتحدة، علاقات وثيقة للغاية مع السودان. لقد قاموا بشراء أرض سودانية خصبة من أجل احتياجاتهم، وبإقراض المال للديكتاتورية لحملها على إرسال قوات للقتال في اليمن_ وهي لاتزال هناك. البشير قام بإرسال 30،000 جندي لدعم السعودية، في الوقت الذي دعمت فيه حكومات الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، طبعا، الإبادة الجماعية التي اقترفتها السعودية ضد النضال التحرري اليمني.

والآن، تقوم الحكومة المدنية/ العسكرية بفتح الباب لهم على نطاق أوسع، رغم أن أحد مطالب الجماهير المكافحة من أجل الثورة كان سحب القوات السودانية من اليمن. مثال شجاع على الأممية.
في حزيران 2018، أبرم الجنرالات وقوى الحرية والتغيير اتفاقية لتقاسم السلطة_ رغم تظاهرة “المسيرة المليونية” التي نظمتها المنظمات الشعبية. وفي 4 تموز قام الجنرالات وقوى الحرية والتغيير بتوقيع الإعلان الدستوري. كان ينبغي أن يستمر النضال في الشوارع.
هذه الاتفاقية كانت خيانة، وضد مصالح النضال الجماهيري. الدعم السابق لقوى الحرية والتغيير من قبل الحزب الشيوعي وموقفه السلمي ساعدا على زرع الأوهام في قدرة قوى الحرية والتغيير على محاربة سيطرة الجيش، لأنهم غير مهتمين بمحاربة الهيمنة الرأسمالية أو الوكالات الإمبريالية مثل صندوق النقد الدولي.
الحزب الشيوعي السوداني قد ينتقد قوى التحرر والتغيير الآن، لكنه في العام 2018 قال: “الصراع مستمر بين مشروعين: مشروع قوى الحرية والتغيير _التي تدعمها الغالبية الشعبية_ ومشروع “التغيير السلمي” المفصل على مقاس المصالح الدولية والإقليمية للحيلولة دون التغيير الجذري. وهذا يستهدف جذب جزء من المعارضة”[iv].
ورغم أنهم ينتقدون قوى الحرية والتغيير على توقيع الاتفاقية، فإن المقال الذي كتبه فتحي الفضل، الناطق الرسمي وسكرتير الإعلام في الحزب الشيوعي السوداني، جاء فيه: “لهذا السبب يواصل الحزب الشيوعي السوداني النضال من أجل حكم مدني كامل يعزز العدالة الاجتماعية، ويساعد على إعادة تأسيس النقابات العمالية الحرة، ويشق الطريق لإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية”.
إنهم يطالبون بمجلس رئاسي، ومجلس وزراء، وهيئة تشريعية تعمل كبرلمان.
ما يعني عمليا أن الحزب الشيوعي يقر بـ “أهمية دور صندوق النقد الدولي، والحاجة إلى التعامل معه، ولكن بمقاربة مختلفة. لقد أشار إلى إمكانية موازنة ديون السودان مع البنك الدولي بمبالغ ضخمة من الأموال المهربة للخارج من قبل النظام السابق”[v].
لذا، بينما ينتقد الحزب الشيوعي الحكومة المدنية فإنه يدعم وجهة مخرجاتها.. لا يمكنه رؤية أي بديل عن الاتفاق مع “المجتمع الدولي” للإمبريالية، كل ما في الأمر أنه يريد اتفاقا “مختلفا”.
ولكن لإنهاء السطوة المتزايدة للعسكر وهيمنتها على القسم المدني من الحكومة، لا بد من توحيد كل تلك القوى للطبقة العاملة والريفية في الشوارع، والتحضير لإضراب عام. بين العسكر في العام 2018 مجددا أنهم مستعدون لاستخدام أقصى درجات العنف لمهاجمة الحقوق الديمقراطية والعمالية، لأن وراءهم البرجوازية، والولايات المتحدة، وصندوق النقد الدولي. برنامج تنظيم وتحضير لجان للدفاع عن الذات تمّ بناؤه من الجمعيات في الأحياء، وأماكن العمل، والمصانع.
التحرك لإسقاط النظام ينبغي أن يترافق مع عقد جمعية تأسيسية تلغي كافة القوانين المقيدة للحقوق السياسية والاجتماعية للعمال، والنساء، والشباب والفقراء. هذا وحده ما يمكنه إطلاق الطاقة المذهلة التي أظهرها الجماهير منذ العام 2018. جمعية تأسيسية لا بد للكفاح من أجلها بحيث تضمن تأميم الموارد الطبيعية كالنفط والذهب، إضافة إلى المصانع والموانئ الكبرى.
لكن الحزب الشيوعي السوداني لا يتحدث عن برنامج ونضال من أجل سلطة العمال والاشتراكية، فهو يحتفظ بأفكاره حول العدالة الاجتماعية والتغيير السلمي لإزاحة الهيمنة العسكرية. اعتقاده بشأن ما ينبغي فعله مع الجيش، في حال لم يعد جزء من الحكومة ومسيطرا على الاقتصاد، أمر لم يقم الحزب بشرحه، كما أنه لم يفسر كيف كان ينبغي أن تحمي الثورة نفسها في العام 2018 واليوم.
الاتفاقية استند إلى تصور مفاده أن النضال السلمي وحده هو ما يمكن أن ينجح في مواجهة الجيش، لكن الجيش مازال باقيا وسطوته تزداد تناميا. القادة العسكريون قاموا ببناء قاعدة اقتصادية متينة، جزء منها ما صنعوه في ظل الديكتاتورية، لكن منذ العام 2018 تسارع ازدياد سيطرتهم الاقتصادية في الحكومة الجديدة، وعززوا سيطرتهم على الكثير من الشركات.
حميدتي أصبح رئيسا للجنة الاقتصادية الطارئة –هيئة تنفيذية ذات نفوذ- في نيسان 2019، وزاد ملكيته الرأسمالية منذ ذلك الوقت.
عزيمة النضال الجماهيري أطاحت بالبشير. عمال الموانئ، وعمال السكك الحديدية (الذين نظموا كثيرا من رحلات القطار الثورية بدءاً من عطبرة إلى الاحتلال الجماهيري خارج المقر العسكري)، واحتجاجات العمال في مصانع السكر، وحركات التحرر، وجماهير النساء، وعمال الريف، ولجان الأحياء واسعة الانتشار.. كلهم قاموا بالعمل.
بينما رحل البشير بقي النظام قائما، والحكومة المدنية/ العسكرية تحمي النظام، والعسكر يحمون مصالحهم الضخمة كما فعلوا مع البشير. القسم المدني أيضا يمثل المصلحة الرأسمالية التي لا رغبة لها في خوض صراع ضد الهيمنة العسكرية. لأنه سيتعين عليها محاربة كافة المصالح الرأسمالية الأجنبية في السودان، وفوق كل شيء نفوذ الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وعدم الرضوخ لمطالبهم كالاعتراف بإسرائيل، وإعادة هيكلة الديون الخارجية، وفتح الاقتصاد.
الخراب سيكون في انتظار السودان وشعوبه إذا تم السماح للشركات العالمية بالنهب كما تخطط، لأنها هناك لسبب واحد فقط: كسب المال وتحقيق الربح. ولكن لابد من نضال جماهيري.. برنامج ثوري لمسيرة بطولة الملايين التي خرجت إلى الشوارع في العام 2018، والتي بدأت بفعل هذا الأمر مجددا.
لا توجد صيغة رأسمالية لها مصلحة في حل المشاكل التي تواجهها الجماهير في السودان. البعض يقول إن هذه “رأسمالية إسلامية”، ولكن وراء هيمنة وملكية السعودية والإمارات تقف الإمبريالية.. لا يوجد فصل كبير في المصالح بين الولايات المتحدة وتلك البلدان الشرق أوسطية التي تربطها بها علاقات وثيقة.

كيف تحكم إمبريالية الاتحاد الأوروبي قبضتها على السودان؟
الجنجويد (أو قوات الدعم السريع) المتورطون في جرائم حرب في دارفور يتلقون تدريبا من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، رغم أن الأخير ادعى مرارا رفضه تقديم دعم مادي أو مالي لهذه القوات[vi]. الأموال جاءت من الصندوق الائتماني الأوروبي للطوارئ من أجل افريقيا.
السبب بالنسبة للصندوق الائتماني هو مساعدة قوات الدعم السريع على منع الهجرة من السودان إلى أوروبا.
هناك صراع حول من يستطيع تحقيق المكاسب في السودان بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لذا فإن الاتحاد الأوروبي سيستخدم أيضا أية وسيلة لتثبيت حضوره. وفوق كل شيء لمساعدة الشركات الأوروبية متعددة الجنسية على البدء بجني الأرباح في السودان. كل ما سيتحدثون عنه هو الحاجة إلى “الديمقراطية”.. أي حق الشركات الأوروبية متعددة الجنسية في تعزيز مصالحها التجارية.

اتفاقية جوبا للسلام (السودان وجنوب السودان)
الحكومة المدنية/ العسكرية سعت إلى “اتفاقية سلام” دعيت باتفاقية جوبا للسلام. حميدتي، نائب رئيس مجلس السيادة، قال في خطابه بميدان الحرية إن “اتفاقية السلام ليست خصما لأي أحد، وإنما هي محاولة لاستعادة الدولة السودانية على أسس عادلة”.
اتفاقية السلام تتضمن ثمانية بروتوكولات لخمس مناطق (دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، ووسط السودان، وشرق السودان، وشمال السودان)، وقد شارك في المفاوضات المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان دونالد بوث، الذي دعم الاتفاقية إلى جانب الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والاتحاد الأفريقي.
إضراب ميناء السودان الكبير في تشرين الأول وتشرين الثاني عام 2020 كان ضد جانب واحد من عملية “السلام”: خصخصة الميناء.
محادثات جوبا حول السلام لكنها مدفوعة بالعسكر والمصالح العسكرية/ التجارية. إنها تشمل كل السودان، بما في ذلك جنوب السودان. وبينما وصفت الأمم المتحدة اتفاقية جوبا بأنها تاريخية، كان للنخب العسكرية في كل من جنوب السودان والسودان تأثيرها الواسع. في ذات الوقت تسعى الاتفاقية أيضا إلى سياسة مصالحة شبيهة بتلك التي تمت في جنوب افريقيا بعد إزالة الفصل العنصري.
جنوب السودان يمتلك ثالث أكبر احتياطي نفطي في صحراء افريقيا الكبرى، وجيشه مرتبط بشكل مباشر بالمصالح النفطية. البلاد غنية بالموارد الطبيعية (النفط، والحديد، والألماس، والنحاس، والنيكل، والرخام، والذهب). عام 2018 استضافت جوبا مؤتمر افريقيا للنفط والطاقة بحضور 400 شركة شملت شركات روسيا، والصين، والهند، وماليزيا، ونيجيريا.
هذه المنطقة ذات الثروات الكبيرة والمشاكل العميقة للسكان المحليين، واحتياجاتهم لضروريات الحياة، تسلط الضوء أيضا على أن اتفاقية جوبا “للسلام” هي حول من يتحكم بما في السودان، ومصالح شعوب كل السودان مهملة.
اتفاقية جوبا قد تكون لها علاقة أكثر بالصراع على السيطرة في جنوب السودان بين قطاعات الجيش، وتوطيد السلطة في كافة أنحاء السودان جنبا إلى جنب مع الشركات الأجنبية متعددة الجنسية المتنافسة على المزيد من السيطرة.

مشاكل واحتجاجات:
الحياة لم تتغير كثيرا بالنسبة للغالبية العظمى منذ إسقاط البشير. الملايين سيعانون الجوع هذه السنة، وحقوق المرأة تنتهك، والعنف يستمر، والاحتلال في دارفور سيستمر. هناك فراغ كبير فيما يتعلق بأدوية كوفيد_19. ربع الجماهير خرجت إلى الشوارع في الأول من تموز “مسيرة المليون” لمواجهة هذه القضايا. وتنسيق لجان المقاومة مستمر.
في 2020 “احتجاجات متعددة تواصلت في كافة أنحاء السودان، حيث دعا أهالي مخيم زمزم إلى توفير المزيد من المواد الغذائية، وطالب اتحاد المعلمين بنظام رواتب عادل، وعمال خزان سد سنار استمروا في إضرابهم[vii].

الجيش يتولى السيطرة وراء حكومة رأسمالية تابعة:
بدعم من الحكومة الإقليمية، قاوم الجنرالات أي تنازلات من شأنها تهديد هيمنتهم. في ذات الوقت، فإن المؤسسة الصناعية العسكرية _وهي شركة قابضة تابعة للقوات المسلحة السودانية تمتلك مئات الشركات_ هي المسؤولة عن كثير من الشركات التي كانت مملوكة لقادة حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم القديم) ولعائلة البشير. قوات الدعم السريع سيطرت على كثير من الشركات التي كان يديرها سابقا جهاز الأمن والمخابرات السوداني. إلى جانب هذا، يحتفظ الجيش الآن بأرباح شركات القوات المسلحة السودانية التي كانت، في ظل النظام السابق، توجه بشكل أساسي إلى حزب المؤتمر الوطني.
اليوم، لدى الأجهزة العسكرية والأمنية أسهم، أو تمتلك شركات تعمل في إنتاج وتصدير الذهب، والنفط، والصمغ العربي، والسمسم، والسلاح، وفي استيراد الوقود، والقمح، والسيارات، والاتصالات، والخدمات المصرفية، وتوزيع المياه، والمقاولات، وأعمال الإنشاءات، والتطوير العقاري، والطيران، والنقل بالشاحنات، وخدمات الليموزين، وإدارة المنتزهات السياحية وأماكن الفعاليات. شركات الدفاع تصنع المكيفات وأنابيب المياه والأدوية ومنتجات التنظيف والمنسوجات. وتدير محاجر الرخام ومدابغ الجلود والمسالخ. حتى الشركة التي تنتج الأوراق النقدية السودانية تخضع لسيطرة قطاع الأمن.
لأنها جهات فاعلة مركزية في أسواق واردات الوقود والقمح، فإن الشركات المملوكلة من قبل القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، تستفيد مباشرة من الدعم على هذه السلع (وهي في وضع جيد لكسب المزيد من الأرباح عن طريق تحويلها إلى السوق السوداء). على سبيل المثال، شركة SIN التي كانت مملوكة في السابق من قبل جهاز المخابرات والأمن الوطني، التي وضعها البرهان (رئيس مجلس السيادة في السودان، ورئيس الدولة الانتقالي، ولواء في الجيش السوداني) مؤخرا تحت السلطة الحصرية للقوات المسلحة السودانية، يقال أنها تسيطر على 60% من سوق القمح.
هذا ما يعنيه الجيش بالانتقال السلمي: يريد الاحتفاظ بسيطرته وأن يصبح الجزء الأكبر من الطبقة الرأسمالية. في الوقت الذي يعاني فيه السكان من الجوع في كل مكان.
منذ بداية الثورة، قام البرهان بتعيين موالين له لإدارة كثير من الشركات الواقعة تحت سيطرة الجيش. اللواء إدريس الميرغني، صديق البرهان منذ أيامه في الكلية الحربية، هو الآن رئيس مؤسسة الصناعة العسكرية. والجنرال عباس عبدالعزيز _الرئيس السابق لقوات الدعم السريع وهو أيضا صديق مقرب للبرهان_ مسؤول الآن عن شركة الساطي، وهي شركة قابضة أخرى. وزميل سابق آخر له، الجنرال مهلب حسن أحمد، أصبح رئيسا لمنظمة الشهداء، وهي شركة قابضة سبق أن مولت حزب المؤتمر الوطني، ولها استثمارات في مناجم الذهب، وأماكن الترفيه. الحاجة إلى ضمان تحقيق هذه الشركات للربح يبدو أنها شجعت برهان _الذي استهل بطرد كثير من الضباط الإسلاميين البارزين من صفوف القوات المسلحة السودانية وجهاز الأمن والمخابرات الوطني_ على استحضار بعض أصدقائه المخلصين من التقاعد.
حتى وقت قريب، ركزت قوات الدعم السريع أنشطتها التجارية على سوق الذهب، الذي تسيطر عليه إلى حد كبير، كما تسيطر على الإنشاءات، والمقاولات، والاتجار بالبشر. لكن هذه القوات قامت بتوسيع أنشطتها في العام الماضي. المنظمة تستخدم العملة الصعبة التي تكسبها من مبيعات الذهب في دبي لشراء المشاريع الزراعية والعقارات. في إحدى عمليات الشراء الأخيرة ، ورد أن قوات الدعم السريع استحوذت على 200000 فدان من الأراضي الزراعية في الولاية الشمالية؛ ويتضمن المشروع حفر قناة ري إلى النيل.
هذا هو النظام الذي سيقوم بشراء وبيع أي شيء، بما في ذلك اللاجئين الفارين، الذين يمكنه تحويلهم إلى عبيد، بمجاملة من الاتحاد الأوروبي.
في أيار، افتتحت شركة الاتجاهات المتعددة، وهي شركة تابعة لمؤسسة الصناعات العسكرية، بضجة كبيرة مسلخ كادارو الصناعي – وهو استثمار بقيمة 40 مليون دولار، ذهبت شحنته الأولى إلى المملكة العربية السعودية. يقوم حميدتي حاليا ببناء مسلخ على نفس النطاق شمال الخرطوم.
حكومة حمدوك ليس لديها سيطرة على هذه الشركات، ولا إمكانية الوصول إلى دفاترها. لن تذهب أي من أرباح صادرات مسلخ كاداروس إلى وزارة المالية. رغم هذا فإنه يأمل باستخدام الولايات المتحدة من أجل الضغط على الجيش، ولكن الولايات المتحدة والجيش هما من سيعصرانه.
بمصادقة الولايات المتحدة، حاولت الحكومة رفع دعم الوقود البالغ 2.8 مليار دولار، ولكن بسبب الخوف من إشعال موجة نضالية أخرى، لم تفعل الحكومة المدنية ذلك.
“قبل أن تسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد_19) في تباطؤ كبير بالنشاط الاقتصادي والتجاري على مستوى العالم، الشركات الأمريكية استفسرت وزارت السودان بهدف الاستثمار الأجنبي المباشر والترويج للمنتجات الأمريكية. كان هناك طلب قوي على السلع والخدمات والتكنولوجيا وبرامج التدريب/ القدرات الأمريكية، لا سيما في مجالات الزراعة والطاقة والطب”.
“شركات الخدمات المالية والمصرفية بدأت تهتم بشكل متزايد بالسودان. “أوراكال” و”فيزا” أبرمتا مؤخرا صفقات تتيح للبنوك المحلية الوصول إلى تقنياتها المصرفية وأنظمة الدفع”[viii].

الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى تبدأ بالتحرك:
الولايات المتحدة تتطلع إلى جني الأموال في العديد من مناطق السودان. وفقا للهيئة العامة للبحوث الجيولوجية فإن احتياطيات السودان المؤكدة من الذهب تصل إلى 533 طنا، 20% منها فقط ما يتم استغلاله. هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أفادت بأن 105 أطنان من الذهب، و1.9 طن من الزنك، و500 ألف طن من النحاس، و4500 طن من الفضة، تقع في تلال البحر الأحمر شمال شرق السودان. إنهم يريدون تحويل السودان إلى كونغو أخرى بالسلطة المركزية للجيش.
“السودان وقع 30 اتفاقية استثمار ثنائية – تحديدا مع الجزائر، والبحرين، وبيلاروس، والاتحاد الاقتصادي لبلجيكيا ولوكسمبورغ، وبلغاريا، والصين، ومصر، وإثيوبيا، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، وإيران، وإيطاليا، والأردن، والكويت، ولبنان، وماليزيا، والمغرب، وهولندا، وعمان، وقطر، ورومانيا، وجنوب إفريقيا، وسويسرا، والجمهورية العربية السورية، وتونس، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة”[ix].
الحكومة تسيطر على معظم الأراضي الزراعية في السودان، وقد قامت ببيع ملايين الأفدنة للسعودية وبلدان أخرى، بما فيها تلك التي نهبها الجنجويد. في بعض الحالات، كان نازحون قد عادوا إلى أراضيهم ليتم منعهم من الوصول إليها.
الحكومة السودانية وقعت اتفاقية تعترف بحق المستثمر في تحويل أمواله وأرباحه، وبأن لديه إعفاء من الضرائب على الأرباح لمدة لا تقل عن عشر سنوات. لذا، فإن الحكومة المدنية/ العسكرية السودانية تجعل من السودان منطقة إثراء للشركات الأجنبية متعددة الجنسية.
“معظم البنوك الأجنبية العاملة في السودان تتخذ من دول الخليج مقرا لها، كالمملكة العربية السعودية، أو الإمارات العربية المتحدة، أو قطر”[x]. في 2019 افتتح مدراء “بلاك روك”، التي تبلغ قيمة تمويلها تريليون دولار، مكتبا في المملكة العربية السعودية. استثمارهم في المملكة يتيح لهم الوصول إلى سوق الأسهم السعودي، والذي كان تاريخيا مغلقا أمام المستثمرين الأجانب. أي أن رأس المال المالي يجد طرقه للاستثمار في الشرق الأوسط، وبالتالي يمكنه الوصول إلى السودان.
كل هذا له آثار عميقة على الجماهير السودانية، التي يتم، أو سيتم استغلالها للعمل لدى شركات الجيش، إلى جانب الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي.

الثورة يجب أن تشتعل مجدداً
لا يوجد مخرج إلا بإعادة إشعال ثورة 2018، لكن هذه المرة ليس فقط لإسقاط رئيس، ولكن عبر النضال من أجل حقوقهم كما فعلوا من قبل، ومن خلال الارتباط أمميا بالعمال ضد كل مضطهديهم في افريقيا، وبناء التضامن ضد بربرية الإمبريالية، والملكية العسكرية الرأسمالية، لما يخص الجماهير. وعبر تدمير النظام.

ندعوا عمال العالم، والعمال في الدول الإمبريالية، لدعم السودان وافريقيا. عالمنا سيستمر بالاضمحلال طالما أن الإمبريالية تحكمه.

المقاومة تشيد ضد انهيار الاقتصاد، ومن أجل حقوق كافة الشعوب السودانية. عملية السلام تستهدف سلب العمال والناس ما اعتقدوا أنهم اكتسبوه عام 2018. نؤمن بأن الجماهير السودانية لن تسمح بحدوث هذا.

_كامل الحقوق في تنظيم النقابات، والتظاهر، والإضراب
_الإضراب والنضال الجماهيري فقط سيوقفان عملية “السلام” للخصخصة والسرقة
_إنهاء الصفقة الجديدة مع “إسرائيل”
_ من أجل سيطرة العمال على الصناعة الكبيرة والإصلاح الزراعي
_ من أجل حق تقرير المصير
_استمرار الثورة عبر التعبئة الجماهيرية
_من أجل جمعية تأسيسية تستند على النضال الجماهيري

_لعمال المدينة والريف الحق في الدفاع عن أنفسهم ضد الجيش والجنجويد اللذين يعملان معا
_بناء برنامج ثوري وحزب من ومن أجل الطبقات العاملة والجماهير.

ترجمة تامر خرمه

‫شاهد أيضًا‬

مع السلامة

الطيب عبد الماجد لا أدري من هو هذا المسافر ولكن بالحب والدموع كان الوداع على عتبات المطار …